الاثنين، 22 يونيو 2020

حط الحزن بالجرن ... بقلم الروائي الفلسطيني المحامي حسن عبادي

"حط الحزن بالجرن"
جدّدت مشواري التواصليّ مع أسرى يكتبون بعد عبور جائحة الكورونا، وكان اللقاء الأوّل لسجن الجلبوع الواقع في منطقة بيسان، وكان للمشوار مذاقٌ آخر؛ مررت بجبال فقّوعة التي تجوّلتُ فيها عشيّة ذكرى النكبة برفقة الأصدقاء د. فرحان السعدي وعوني عمري وأصابتني غصّة لمرأى قرية زرعين المهجّرة(عروس مرج ابن عامر)، حين وصلت السجن كانت الإجراءات أكثر تعقيدًا على غير المعتاد، مكثت طويلًا على البوّابة لأتمعّن ما كُتب على لافتة بالمدخل: "أقيم السجن عام 2004 عقب انتفاضة الأقصى بجوار سجن شطّة لغزارة عدد المعتقلين" وها نحن نسينا هذا المصطلح وانمحى من قاموسنا!!
أطلّ عليّ الأسير المقدسيّ سامر غازي عيسى متعب بابتسامة عريضة رغم الحاجز الزجاجيّ الباهت، تمامًا كما حدّثني أسرى التقيتهم حين سألتهم عن سر تلك الابتسامة وكان جوابهم: "سامر أكثرنا ابتسامة. لازم تلاقيه"! وفعلًا استفسرت منه عن سرّ تلك الابتسامة، فأجابني دون تردّد: "حطّ الحزن بالجرن"، فرغم اعتقاله منذ 21.08.2001 وحكمه بالسجن مدة 25 عامًا إلا أنّه يشعّ تفاؤلًا وأملًا بحريّة قريبة آملًا ألّا تكون تضحيته سدًى.
تحدّثنا بدايةً عن رفاقه في السجن ممّن التقيتهم؛ سائد، باسم، وليد وكريم، وانتقلنا لتناول "المشهد الثقافي" داخل الأسر وخارجه، مشروع "لكلّ أسير كتاب" وانتظاره لكتابين أوصى بهما لعلّهما يصلان في الزيارة القادمة، وما تعنيه الكتابة للأسير.
تحدّثنا عن الفن كمتنفّس له، فسامر فنّان ورسّام مرهف الإحساس وريشته مميّزة، نال بجدارة لقب"فنّان الأسرى"، سجن جسده لا يحرم روحه من الحريّة والتحليق عبر القضبان واختراقها؛ لوحاته تزيّن جدران منازل الكثيرين من رفاق دربه.
أخبرته بوفاة المرحوم محمد الكعبي(أبو بسام)، والد الأسير عاصم، وقسوة السجان الذي يحرم الأسير من وداع فقيده الذي انتظر عناقه حرًا لسنين طويلة، فهو جرّبها حين فقد والده دون وداع!
تحدّث عن أثر حرمان الزيارة في الأشهر الأخيرة، فزاد معدّل تدخين الأسير لعلبتين يوميًا، إجبار الأسرى على دفع ثمن المراوح الهوائيّة والفرشات، وأخذَ ملفّ الإهمال الطبّي للأسرى حيّزا كبيرًا من اللقاء.
 مرّت ساعتان بلمح البرق، تحدّثنا الكثير وكأنّنا أصدقاء طفولة، وربيع السجّان يلحّ علينا بإنهاء اللقاء.
 لك عزيزي سامر أحلى التحيّات، على أمل أن نلتقي قريبًا في القدس كما تواعدنا، والحريّة لك ولكلّ رفاق دربك الأحرار.
                                                                                        حسن عبادي
 حيفا 18 يونيو 2020

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق