السبت، 2 فبراير 2019

كنوز الأدب ... بقلم الأديب محمد جمال الغلاييني

لم يزدهر الشعر فحسب خلال الحكم العباسي ، بل اشتهرت ايضا البلاغة الادبية على يد عمالقة الادب وأهمهما ابن المقفع والجاحظ .
 الجاحظ لقب لمن جحظت عيناه اي خرجت من موضعها . وقد لقب عمرو بن بحر بن محبوب الكناني البصري بالجاحظ لنتوء واضح في حدقتيه ، وكنيته ابو عثمان .
ولد في البصرة عام 163 للهجرة على ارجح الاقوال في زمن خلافة المهدي ثالث الخلفاء العباسيين .
انكب منذ صغره على طلب العلوم الشرعية ، ولكن اليتم والفقر حالا دون متابعته لها ، فصار يبيع السمك والخبز نهارا ، ويستأجر دار الكتَّاب ليلا ليقرأ ما تم تدوينه بنهم وشغف . وقد عرَّف الكتاب بقوله :
الكتاب هو الجليس الذي لا يطريك ، والصديق الذي لا يغريك ، والرفيق الذي لا يملّك ، والصاحب الذي لا يريد استخراج ما عندك بالملق ، ولا يعاملك بالمكر ، ولا يخدعك بالنفاق ، ولا يحتال لك بكذب . 
يعتبر الجاحظ من ائمة الادب بعد الإمام علي كرم الله وجهه ، و المبرد وابن قتيبة .
برع في علم الكلام وفي الادب والسياسة والتاريخ والاخلاق والنبات والحيوان والصناعة والفلسفة ، والف العديد من الكتب اهمها :
" البيان والتبيين " و " الحيوان " و " البخلاء " و " المحاسن والاضداد "  و" التاج في اخلاق الملوك " و " الرسائل " .
اثر عنه انه كان شديد التهكم والاستهزاء بالآخرين وحتى بنفسه ! ويظهر ذلك جليا في العديد من مؤلفاته سيما البخلاء .
حدث عن نفسه مرة ان امرأة لا يعرفها طرقت باب منزله وقالت له : اتبعني .
استغرب طلبها وظن انها معجبة به رغم دمامته ، ولما الحت عليه تبعها الى محل للجواهر . وعندما وصلا قالت للصائغ :
 مثل هذا ثم انصرفت !
 استغرب الجاحظ كلامها وسأل الصائغ عما تقصد فقال له : طلبت مني ان انقش لها صورة شيطان على خاتمها !
وفي كتابه البخلاء وتحت عنوان " الولد سر ابيه " يروي الجاحظ ان بخيلا كان يضع الرغيف على قالب الجبنة ويمسحه مسحا خفيفا ثم يأكل . فلما مات شاهد ابنه يلوح بالرغيف عن قرب الى قالب الجبنة دون ان يلمسه ثم يأكل !

اعتنق مذهب المعتزلة مدافعا عنه بكل قوة وبرع في الذود عنه بالحجة والمنطق حتى فاق مؤسسه ابراهيم النظام .
حمل الجاحظ لواء تقديم العقل على النقل حتى في امور الحلال والحرام . فكان يقول :
انما يعرف الحلال والحرام بالكتاب الناطق ، وبالسنة المجمع عليها ، والمقاييس المعينة ، والعقول الصحيحة . وكان يرفض الاعتراف بالمنقول من اهل المدينة المنورة ولا يحتج بأعمالهم ما لم توافق سليم العقل .

ومن اشهر اقواله :
- لو تأملت احوال الناس لوجدت ان اكثرهم عيوبا اكثرهم تعييبا .
- اذا كان الحب يعمي عن المساويء فان البغض يعمي عن المحاسن .
- لا يعرف الخطا من يجهل الصواب .
- الانسان العاقل هو الذي يعرف متى يتكلم وكيف يتكلم ومع من يتكلم .
- لا تبقى في المكان الذي لا تعرف فيه قيمتك .
- الحسد اول خطيئة ظهرت في السماوات ، واول معصية حدثت في الارض .
- لا تجالس الحمقى فانه يعلق بك من مجالستهم يوما من الفساد ، ما يعلق بك من مجالسة العقلاء دهرا من الصلاح . فان الفساد اشد التحاما بالطبائع .
- تعرف حماقة الرجل في ثلاث : في كلامه فيما لا يعنيه ، وجوابه عما لا يسأل ، وتهوره في الأمور .

اصيب بالفالج اواخر عمره وامسى جليس مكتبته . ذات يوم وبينما كان يتصفح كتابا كعادته وقع عليه صف من المكتبة وارداه شهيدا للعلم والادب  .
كان ذلك عام 255 للهجرة في زمن خلافة المهتدي بالله عن عمر يناهز 92 عاما .

محمد جمال الغلاييني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق