السبت، 19 يناير 2019

كنوز الأدب ... بقلم الأديب محمد جمال الغلاييني

عندما تتحدث عن عمالقة الشعر في العصر العباسي ، افرد للامام محمد بن ادريس الشافعي سدة المجد بعد ان تنحني له الهامات اجلالا .
والسبب في ذلك ان الشعراء كرسوا جل حياتهم لنظم الشعر ليس الا ، اما ان يكون الشاعر اماما فقيها صاحب ثالث مذهب اسلامي عند اهل السنة والجماعة ، وفي نفس الوقت شاعرا من الطراز النادر فهنا يكمن سر النبوغ والتألق  .
ولد الامام الشافعي الذي يتصل بنسبه الى رسول الله عليه الصلاة والسلام عام 150 للهجرة ، وهو نفس العام الذي توفي فيه اول امام من الائمة الاربعة ابو حنيفة النعمان رضي الله عنهما .
 شهدت غزة في فلسطين مسقط رأسه ، توفي والده صغيرا فاخذته امه الى مكة المكرمة حيث نسبه القرشي علها تجد من يكرمه ويخفف عنه وطأة اليتم ولكن دون جدوى ، حيث ذاقت وابنها شظف العيش ومرارة الايام .
دفعته الى التعلم والتفقه في الدين فحفظ القرآن الكريم وعمره 7 سنوات ثم موطأ الامام مالك الذي يضم حوالي 10 آلاف حديثا وعمره 10 سنوات .
ذهبت واياه الى المدينة المنورة ليتتلمذ على يد الامام مالك رضي الله عنه ، الذي ادرك نبوغه وتميزه الفريد عن اقرانه فأذن له بالافتاء ولم يتعد عمره آنئذ العشرين عاما .
عاش في البادية مدة من الزمن عند قبيلة هذيل والتي تعتبر من أرقى القبائل العربية في البلاغة ونظم الشعر فنهل من معينها حتى فاقهم روعة ، كما اشار الى ذلك الأصمعي .
غادر بعد ذلك الى اليمن ثم الى بغداد عام 184 هجرية حيث استقر بها مدة لا بأس بها ثم ارتحل الى مصر .
تميز شعره بالحكمة والنظرة العميقة الى الانسان :
نعيب زماننا والعيب فينا
   وما للزمان عيب سوانا
ونهجو ذا الزمان بغير ذنب
  ولو نطق الزمان لنا هجانا
وليس الذئب يأكل لحم ذئب
  ويأكل بعضنا بعضا عيانا

نصح العلماء ان يضعوا علمهم في مكانه الصحيح :
أأنثر درا بين سارحة الغنم
   وأنظم منثورا لراعية الغنم
ومن منح الجهال علما اضاعه
   ومن منع المستوجبين فقد ظلم

وحدد شرط تفقه العالم وحفظه لكتاب الله الا وهو ترك المعاصي :
شكوت الى وكيع سوء حفظي
  فأرشدني الى ترك المعاصي
وقال لي بأن العلم نور
   ونور الله لا يهدى لعاصي

وحث على الالتزام بأوامر الله وطاعته :
تعصي الاله وانت تظهر حبه
  هذا لعمري في المقال شنيع
لو كان حبك صادقا لاطعته
  ان المحب لمن يحب مطيع

واعتبر ان الفساد الكبير يكمن في :
فساد كبير عالم متهتك
  واكبر منه جاهل متنسك

وارشدنا الى ضرورة تجاهل السفهاء :
اذا نطق السفيه فلا تجبه
   وخير من اجابته السكوت
فان كلمته فرجت عنه
   وان خليته كمدا يموت

ورسم لنا قاعدة السعادة في الدارين :
اذا شئت ان تحيا سليما من الاذى
  ودينك موفور وعرضك صَيِّنُ
لسانك لا تذكر به عورة امريء
  فكلك عورات وللناس السن
  وعينك ان ابدت اليك معايبا
  فصنها وقل يا عين للناس اعين
وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى
   وفارق ولكن بالتي هي أحسن

اما درة كلامه فعندما يتحدث عن الصداقة :
اذا المرء لا يرعاك الا تكلفا
   فدعه ولا تكثر عليه التأسفا
ففي الناس ابدال وفي الترك راحة
   وفي القلب صبر للحبيب ولو جفا
فلا كل من تهواه يهواك قلبه
   ولا كل من صافيته لك قد صفا
اذا لم يكن صفو الوداد طبيعة
   فلا خير في خل يجيء تكلفا
ولا خير في خل يخون خليله
  ويلقاه من بعد المودة بالجفا
وينكر عيشا قد تقادم عهده
  ويظهر سرا كان بالامس قد خفا
سلام على الدنيا ان لم يكن بها
    صديق صدوق صادق الوعد منصفا

وفي عام 204 للهجرة وخلال وجوده في مصر مات الامام العظيم عن عمر يناهز 54 عاما بسبب داء اليم اسفل جسده استنفذ دمه ، تاركا ارثا فقهيا وشعريا قل نظيره منذ ما يربو عن 1200 عاما . وكأني به رضي الله عنه يصف نفسه بقوله :
كم مات قوم وما ماتت فضائلهم
  وعاش قوم وهم في الناس اموات

محمد جمال الغلاييني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق