رسالة إلى "قمر"
أطلّ عليّ الأسير حسام شاهين بابتسامة طفوليّة قاتلة رغم الحاجز الزجاجيّ، المغبّش عمدًا لتشويش الصورة وتشويهها، حين التقيته في غرفة لقاء المحامين في سجن الجلبوع الواقع منطقة بيسان. استفسرت منه سرّ تلك الابتسامة فأجابني دون تردّد: "أشمّ فيك رائحة حيفا الوطن"، حدّثني عن زيارته لحيفا حين أصابه مرض خلف القضبان وكانت شكوك بتعرّضه لجرثومة لئيمة، نقلوه بواسطة "البوسطة" البغيضة لفحوصات في مستشفى "بني تسيون" الحيفاوي وكم كان سعيدًا بأنّ الطبيبة التي فحصته عربيّة من جناح الوطن الآخر الذي يحلم به ليل نهار، وفي طريق عودته سمح له سجّانه بالنزول لدقيقتين كيّ يتمتّع ببحر حيفا وساحلها، فكانت "أحلى" مرضة في حياته لأنّها جعلته يزور حيفا، وها هو يلتقي بحيفاوي قادم للُقياه، دون سابق معرفة ولكونه أديب يكتب خلف القضبان.
تناولت معه روايته "زغرودة الفنجان" ومشروعه الثقافي وشظايا التجربة، قيم فلسفيّة أدبيّة تزداد قيمتها خلف القضبان، قصّة فقدان الخصوصيّة لأنّ الحريّة هي الأساس، كون السجن نموذجًا حيًا يمثّل الدي. أن. إيه للمجتمع الفلسطيني، قيمة الأشياء الصغيرة التي اكتشفها داخل السجن بسبب الحرمان. تلك الأمور الصغيرة تكبر في ذهن ومخيّلة الأسير القابع في زنازين الاحتلال، حرمانه من لقاء أحبّته وفقدان أعزاءه دون وداع، حرمانه من احتضان وتقبيل "قمره" أربعة عشر عامًا. لهذا يصبح للقائه بغريب مثلي نكهة مغايرة ذكّرته بأنكين هوتفلدت النرويجيّة، عرفها قبل أسره وبعد مضيّ سنوات سُمح لها بزيارته وحين التقته خلف شِباك السجن مدّت يدها لمصافحته لكنّ الحاجز المشبّك حال دون ذلك، تلامست أصابعهم فارتبك حسام وسألته أنكين بعفويّة ما سبب ارتباكه؟ أجابها أنّها المرّة الأولى منذ اعتقاله يلامس بشرًا "غريبًا" وحتى الأهل لا يستطيع ملامستهم واحتضانهم فصاحت به "touch"، "تاتش"، "touch"، "تاتش"، ممّا لفت انتباه السجّان فانقضّ عليهما موبّخًا ونقلها لغرفة ذات حاجز زجاجي دون "شبك"!
مرّت ساعتان بلمح البرق، تحدّثنا الكثير الكثير وكأنّنا أصدقاء قدامى، وكما قال صديقنا المشترك محمد صبيح : "حقًا، هناك وجوه فنيّة في السجن".
حسن عبادي
حيفا 20 يونيو 2019
أطلّ عليّ الأسير حسام شاهين بابتسامة طفوليّة قاتلة رغم الحاجز الزجاجيّ، المغبّش عمدًا لتشويش الصورة وتشويهها، حين التقيته في غرفة لقاء المحامين في سجن الجلبوع الواقع منطقة بيسان. استفسرت منه سرّ تلك الابتسامة فأجابني دون تردّد: "أشمّ فيك رائحة حيفا الوطن"، حدّثني عن زيارته لحيفا حين أصابه مرض خلف القضبان وكانت شكوك بتعرّضه لجرثومة لئيمة، نقلوه بواسطة "البوسطة" البغيضة لفحوصات في مستشفى "بني تسيون" الحيفاوي وكم كان سعيدًا بأنّ الطبيبة التي فحصته عربيّة من جناح الوطن الآخر الذي يحلم به ليل نهار، وفي طريق عودته سمح له سجّانه بالنزول لدقيقتين كيّ يتمتّع ببحر حيفا وساحلها، فكانت "أحلى" مرضة في حياته لأنّها جعلته يزور حيفا، وها هو يلتقي بحيفاوي قادم للُقياه، دون سابق معرفة ولكونه أديب يكتب خلف القضبان.
تناولت معه روايته "زغرودة الفنجان" ومشروعه الثقافي وشظايا التجربة، قيم فلسفيّة أدبيّة تزداد قيمتها خلف القضبان، قصّة فقدان الخصوصيّة لأنّ الحريّة هي الأساس، كون السجن نموذجًا حيًا يمثّل الدي. أن. إيه للمجتمع الفلسطيني، قيمة الأشياء الصغيرة التي اكتشفها داخل السجن بسبب الحرمان. تلك الأمور الصغيرة تكبر في ذهن ومخيّلة الأسير القابع في زنازين الاحتلال، حرمانه من لقاء أحبّته وفقدان أعزاءه دون وداع، حرمانه من احتضان وتقبيل "قمره" أربعة عشر عامًا. لهذا يصبح للقائه بغريب مثلي نكهة مغايرة ذكّرته بأنكين هوتفلدت النرويجيّة، عرفها قبل أسره وبعد مضيّ سنوات سُمح لها بزيارته وحين التقته خلف شِباك السجن مدّت يدها لمصافحته لكنّ الحاجز المشبّك حال دون ذلك، تلامست أصابعهم فارتبك حسام وسألته أنكين بعفويّة ما سبب ارتباكه؟ أجابها أنّها المرّة الأولى منذ اعتقاله يلامس بشرًا "غريبًا" وحتى الأهل لا يستطيع ملامستهم واحتضانهم فصاحت به "touch"، "تاتش"، "touch"، "تاتش"، ممّا لفت انتباه السجّان فانقضّ عليهما موبّخًا ونقلها لغرفة ذات حاجز زجاجي دون "شبك"!
مرّت ساعتان بلمح البرق، تحدّثنا الكثير الكثير وكأنّنا أصدقاء قدامى، وكما قال صديقنا المشترك محمد صبيح : "حقًا، هناك وجوه فنيّة في السجن".
حسن عبادي
حيفا 20 يونيو 2019
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق