الأحد، 30 يونيو 2019

يحيا العدل ... بقلم الأديب المتألق محمد جمال الغلاييني

طلب القاضي ان يدافع المدعى عليه عن نفسه قبل ان يلفظ حكمه اﻷخير .
وما ان تفرس في وجهه حتى تذكر بأنه هو من كان وراء تدبير مكيدة له في الجامعة شوهت سمعته امام من احب بقوة واخلاص .
انصت اليه ولكن بقلب اسود يغلي حقدا وفي الوقت عينه يترقب بشغف فرصة اﻻنتقام منه .
انتبهت اليه زوجة المتهم وطلبت من القاضي اﻹذن بالشهادة .
وما ان تفرس في وجهها حتى ايقن بانها هي من كانت حبيبته !
راح يحدث نفسه ويقول : -
واي فرصة متاحة اﻵن بين يدي ﻷدمر حياتهما كما دمرا حياتي ؟!
استمع الى كلامها ولكن بأذن صماء . لم يفطن الى كلمة واحدة مما تفوهت بها ، بل كان في واد والجميع في واد آخر !
طلب ارجاء الجلسة الى الغد للنطق بالحكم المبرم ثم عاد الى منزله ليدبج حكما بالمؤبد رغم علمه ببراءته !
 " سأقضي عليه وعليها في آن وسأشفي غليلي منهما " ، هكذا كان يحدث نفسه حتى استسلم للكرى .
رأى في منامه رجلا طويلا ابيض البشرة والثياب يحمل بيمينه وردة بيضاء وبيساره جمرة من نار . ناداه بإسمه فتقدم منه وقال : -
اختر ما تحب !
 وبالطبع اختار الوردة ولما اراد ان يلمسها تحولت الى جمرة حمراء !
كرر ذلك ثلاث مرات ليجد نفس النتيجة .
فقال : ايها الشيخ الجليل اختار الوردة فتتحول الى جمرة ، كيف ذلك ؟ !
قال له الشيخ : -
كنت تحكم بالعدل فطلب مني ان اقدم لك وردة ، ولما راودتك نفسك ان تحكم بالظلم امسكت بيساري جمرة من نار ﻷنبهك بأنه حتى الورد عندما يهم بلمسها ظالم ستتحول الى جذوة من نار يحترق بها !
استفاق مذعورا ، وما عاد يجد النوم الى عينيه سبيلا ! اقنع نفسه بان ما رآه مجرد اضغاث أحلام ، وظل مستيقظا يترقب موعد المحاكمة بلهفة وشغف .
" لقد حان موعد اﻻنتقام ، هذه الفرصة التي كنت اتمناها منذ اربعين عاما " . هكذا كان يحدث نفسه .
ولكنه كان يتراجع عندما يتذكر ذلك الشيخ الجليل الذي رآه في المنام فترتعد فرائصة ويحسب الف حساب لما سيحكم على انسان لم تثبت ادانته لعدم كفاية الدليل .
وقف الجميع مترقبا النطق بالحكم .
وقف القاضي حاملا قصاصة الحكم تحت قوس المحكمة ونظر الى اعلى المنصة فوجد مكتوبا  :
" واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل * " .
تلعثم قليلا ولما هم بالقراءة تقدم ابن المتهم وبيده وردة بيضاء وقدمها له . انها نفس الوردة التي قدمها له ذلك الشيخ الجليل في المنام !
اخذها من ذلك الولد بحنو ورأفة والدموع تترقرق في عينيه ، ثم تمالك نفسه وقال : -
الحكم مكتوب في تلك القصاصة وقد تم تعديله في آخر لحظة ﻷحكم على هذا المتهم بالبراءة !

ضجت القاعة بالهتاف:
يحيا العدل ، يحيا العدل ..

محمد جمال الغلاييني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق