إرادة عطرة
جلست في غرفة لقاء المحامين في سجن الجلبوع الواقع في منطقة بيسان بانتظار لقاء الأسير سائد سلامة، بعد لقائي لساعتين مع الأسير حسام شاهين، وفي الممرّ، قبالة الغرفة، التقى الأسيران وتعانقا عناقًا حميميًّا استمرّ عدّة دقائق ممّا جعل عيناي تدمعان. كانت الغرفة حارّة جدًا، بينما في الغرفة المجاورة يجلس محامي زميل مع موكّله الجنائيّ بأريحيّة والغرفة مكيّفة واللقاء دون حواجز زجاجيّة أو غيرها. بادرني سائد التحيّة: "أهلًا بالجندي المجهول" وحين سألت قصده حدّثني عن دوري، دون أن أدري، في إصدار مجموعته القصصيّة "عطر الإرادة"، حيث عرّفت صديقي سعيد نفاع بصديقي الناشر نقولا عقل، بعد أمسية ثقافيّة في نادي حيفا الثقافي، وكان نتاجها إصدار كتابه.
حدّثني عن تعرّفه على عرّابِه الجرمقيّ الشامخ وكذلك أبو هند الحيفاويّ وحياة الأسير خلف القضبان، عن الحرمان وفقدان الإيمان بالذات، محاولات كسر وتحطيم الذات من قبل السجّان و"نوّابه" على الأرض، وعن هرميّة مُعيبة مقيتة داخل السجن.
حدّثني بحَرقة عن ثقل الفقد والحرمان، وعن ظُلم ذوي القُربى ومضاضته القاسية المؤلمة. الكتابة نتاج احتقان داخليّ قاتل، ومحاولات تدجين الحركة الأسيرة تمامًا كما هو هناك خارج القضبان، محاولات القمع التنظيمي والانهيار القيَمي، تصوير السجن كأكاديميّة ما هو إلّا تجنّي على الحقيقة، سحق المنظومة. إنّها مرحلة مفصليّة يجب توثيقها لئلا تضيع الطاسة ويذهب الصالح بعروى الطالح، يذهب نضال ذاك المناضل سدًى. كتب عطر إرادته بدم قلب يدمي على الوضع الذي آلت إليه حالتنا، وما يراه هناك خلف القضبان لا يراه زلُم أوسلو ورجالاتها، ويتمنّى أن يفيقوا من سباتهم العميق ليراجعوا أوراقهم من جديد.
مرّت الساعات مُسرعة، وإرادته تتدفّق عطرًا وصلابة... وأملًا بحُريّة قريبة.
حسن عبادي
حيفا 20 يونيو 2019
جلست في غرفة لقاء المحامين في سجن الجلبوع الواقع في منطقة بيسان بانتظار لقاء الأسير سائد سلامة، بعد لقائي لساعتين مع الأسير حسام شاهين، وفي الممرّ، قبالة الغرفة، التقى الأسيران وتعانقا عناقًا حميميًّا استمرّ عدّة دقائق ممّا جعل عيناي تدمعان. كانت الغرفة حارّة جدًا، بينما في الغرفة المجاورة يجلس محامي زميل مع موكّله الجنائيّ بأريحيّة والغرفة مكيّفة واللقاء دون حواجز زجاجيّة أو غيرها. بادرني سائد التحيّة: "أهلًا بالجندي المجهول" وحين سألت قصده حدّثني عن دوري، دون أن أدري، في إصدار مجموعته القصصيّة "عطر الإرادة"، حيث عرّفت صديقي سعيد نفاع بصديقي الناشر نقولا عقل، بعد أمسية ثقافيّة في نادي حيفا الثقافي، وكان نتاجها إصدار كتابه.
حدّثني عن تعرّفه على عرّابِه الجرمقيّ الشامخ وكذلك أبو هند الحيفاويّ وحياة الأسير خلف القضبان، عن الحرمان وفقدان الإيمان بالذات، محاولات كسر وتحطيم الذات من قبل السجّان و"نوّابه" على الأرض، وعن هرميّة مُعيبة مقيتة داخل السجن.
حدّثني بحَرقة عن ثقل الفقد والحرمان، وعن ظُلم ذوي القُربى ومضاضته القاسية المؤلمة. الكتابة نتاج احتقان داخليّ قاتل، ومحاولات تدجين الحركة الأسيرة تمامًا كما هو هناك خارج القضبان، محاولات القمع التنظيمي والانهيار القيَمي، تصوير السجن كأكاديميّة ما هو إلّا تجنّي على الحقيقة، سحق المنظومة. إنّها مرحلة مفصليّة يجب توثيقها لئلا تضيع الطاسة ويذهب الصالح بعروى الطالح، يذهب نضال ذاك المناضل سدًى. كتب عطر إرادته بدم قلب يدمي على الوضع الذي آلت إليه حالتنا، وما يراه هناك خلف القضبان لا يراه زلُم أوسلو ورجالاتها، ويتمنّى أن يفيقوا من سباتهم العميق ليراجعوا أوراقهم من جديد.
مرّت الساعات مُسرعة، وإرادته تتدفّق عطرًا وصلابة... وأملًا بحُريّة قريبة.
حسن عبادي
حيفا 20 يونيو 2019
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق