الجمعة، 24 مايو 2019

كنوز الادب ... بقلم الأديب المتألق محمد جمال الغلاييني

عندما تولى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه  الخلافة عام ٩٩ للهجرة استشعر هيبتها ومدى جسامة المسؤولية الملقاة على عاتقه . فكتب الى العالم الجليل الحسن البصري طالبا منه ان يكتب له صفة الامام العادل ، فكتب اليه :
اعلم يا امير المؤمنين ان الله جعل الامام العادل قوام كل مائل ، وقصد كل جائر ، وصلاح كل فاسد ، وقوة كل ضعيف ، ونصفة كل مظلوم ، ومفزع كل ملهوف .
والامام العادل يا امير المؤمنين كالراعي الشفيق على ابله ، الرفيق بها ، والذي يرتاد لها اطيب المراعي ، ويذودها عن مراتع الهلكة ، ويحميها من السباع ويكفيها اذى الحر والقر .
والامام العادل يا امير المؤمنين كالاب الحاني على ولده ، يسعى لهم صغارا ويعلمهم كبارا ، يكتسب لهم في حياته ويدخر لهم بعد مماته .
والامام العادل يا امير المؤمنين كالام الرفيقة بولدها ، ربته طفلا ، تسهر بسهره وتسكن بسكونه ، تفرح بعافيته وتغتم بشكايته .
والامام العادل يا امير المؤمنين وصي اليتامى وخازن المساكين ، يربي صغيرهم ويصون كبيرهم .
والامام العادل يا امير المؤمنين كالقلب بين الجوارح ، تصلح بصلاحه وتفسد بفساده . فلا تكن فيما ملكك الله عز وجل كعبد ائتمنه سيده واستحفظه ماله وعياله فبدد المال وشرد العيال .
واعلم يا امير المؤمنين ان الله انزل الحدود ليزجر بها عن الخبائث والفواحش فكيف اذا اتاها من يليها ؟! وان الله انزل القصاص حياة لعباده فكيف اذا قتلهم من يقتص لهم ؟! فاذكر الموت وما بعده وقلة اشياعك عنده وانصارك عليه ، فتزود له ولما بعده من الفزع الاكبر .
واعلم يا امير المؤمنين ان لك منزلا غير منزلك الذي انت فيه يطول فيه ثواؤك ويفارقك احباؤك ، يسلمونك في قعره وحيدا ، فتزود له ما يصحبك " يوم يفر المرء من اخيه * وامه وابيه * وصاحبته وبنيه * " .
واذكر يا امير المؤمنين  " اذا بعثر ما في القبور * وحصل ما في الصدور * " ، فالاسرار ظاهرة والكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها .
فالآن يا امير المؤمنين وانت في مهل قبل حلول الاجل وانقطاع الامل ، لا تحكم في عباد الله بحكم الجاهلين ، ولا تسلك بهم سبيل الظالمين ، ولا تسلط المستكبرين على المستضعفين فانهم لا يرقبون في مؤمن الاَّ ولا ذمة ، فتبوء باوزارك واوزار مع اوزارك ، وتحمل اثقالك واثقالا مع اثقالك ، ولا يغرنك الذين يتنعمون بما فيه بؤسك ويأكلون الطيبات في دنياهم باذهاب طيباتك في آخرتك .
ولا تنظر يا امير المؤمنين الى قدرتك اليوم ولكن انظر إلى قدرتك غدا وانت مأسور في حبائل الموت وموقوف بين يدي الله في مجمع من الملائكة والنبيين والمرسلين وقد عنت الوجوه للحي القيوم .
اني يا امير المؤمنين وان لم ابلغ بعظتي ما بلغه اولو النهى من قبلي ، فلم آلك شفقة ونصحا ، فانزل كتابي اليك كمداوي حبيبه بسقيه الادوية الكريهة لما يرجو له في ذلك من العافية والصحة .
والسلام عليك يا امير المؤمنين ورحمة الله وبركاته .

محمد جمال الغلاييني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق