الجمعة، 25 سبتمبر 2020

شذرة ... بقلم الأستاذ المتألق محمد حمدان

 كان عمري ١٦سنة عندما قررت ان اكون ضمن المسافرين الى الاردن نهاية عام ١٩٦٨ وكنت في غاية السروز انني وصلت الى جنوب


الاردن وتعرفت على منطقة الشوبك وقراها ثم الى الطفيلة ثم سارت اقدامي الى البتراء ووادي موسى وتعرفت على وادي ضانا حتى وصلت على مقربة من الوطن وتكحلت عيناي بروءية الجزء الجنوبي منه، وفي اوائل السبعين عدت الى لبنان وتجولت في جنوبه ورايت جزءا من شمال بلادنا بسهوله الخضراء وجباله الشماء كانت تلك رحلة العمر ... وفي يوم عدت الى بيتنا في اجازة وبعد السلام على الوالد سالته اين امي؟ فاجابني الوالد رحمه الله امك ذهبت الى البلاد لترى امها ولقد ارسلوا لها التصريح، الى هنا لم يكن لدي ما اقوله وبعد قليل توجهت الى غرفة النوم وكنت قد وضعت حقيبة سفري على ظهر الخزانة ولقد اصابني الذهول عندما لم اجد حقيبتي فسارعت الى والدي لاساله عن شنطتي الزرقاء فاجابني ان امك احتاجتها لتضع فيها بعض الهدايا واخذتها ومعها فجن جنوني واكفهر لوني واشتعلت النار في قلبي فظن والدي انني ابخل على والدتي بالشنطة ، لم اجروء على اخبار والدي ماذا اخبي في شنطتي في مكان سري داخلها ولانني لا اريد لهم القلق والحقيقة الصادمة انني كنت اخبيء اوراقا هامة فيها مذكراتي عن رحلتي الكاملة بتفاصيلها واسرارها وتخيلت للحظة ان العدو سيمسك بها ويلقيها في السجن، تمالكت نفسي وكتمت سري وصرت كلما سمعت ان احدا زار البلاد وعاد اذهب اليه لاطمئن على امي وهل حصل معها شيء، وكانت النار تاكل قلبي عندما اسمع النفي واعتقد انني زرت اناسا لا يعرفونني من شفاعمرو واجد منهم استغرابا من السوءال فهي لم تذهب للحرب بل ذاهبة للزيارة، لكني ابتلع الاستهجان كل ذلك كان بسبب خوفي ان يفتش العدو الشنطة ويجدوا فيها الاوراق وهي لا تدري عن شيء ،

كان عذابا ما بعده عذاب لا نوم ولا اكل ولا احد يعلم ما بداخلي واكتم السر الذي يعذبني والذي جعلني ابكي لوحدي، وتمر الايام ثقيلة وكاني احمل جبلا على ظهري والصمت القاتل الذي يلفني لانني لم اجد احدا يهديء من روعي ويقول لي انني رايتها فاطمئن ، وفي خضم الصراع النفسي قررت ان اعود الى مقر عملي واوكل الامر الى الله لعلى اهدأ قليلا ، وفي يوم كنت اجلس تحت شجرة معمرة ادعو الله ان ينقذ امي رحمها الله وان يعيدها البنا سالمة، واذا بيد احد الاخوة يربت على كتفي ويقول لي لم انت سارح هكذا، الا تريد ان تذهب للسلام على والدتك فظننت انه يمازحني وقلت له هذا الامر لا مزاح فيه فاجابني انه للتو وصل وانه كان عند والدي وهو الذي ابلغه ان الوالدة وصلت لم تسعني الدنيا من الفرحة وذهبت مسرعا لاجدها تنتظرني فقبلت يديها وحضنتني رحمها الله وسالتها فورا عن شنطتي فقالت جدتك ارسلت لك فيها هدية ... ولم اتمالك نفسي وفتحتها بسرعة ومددت يدي الى المكان الذي اضع فيه الاوراق واخرجتها وراتها الوالدة وفيها الاوراق كما هي ساعتئذ قلت لهم الحقيقة المرة التي جعلتني في قلق وتوتر دائم وحمدت الله على سلامة الوالدة وكان ما حصل درسا قاسيا لي لن اكرره هكذا حدثت نفسي.

رحم الله ابي وامي وكل اموات المسلمين والحمد لله رب العالمين.

بقلم : محمد حمدان.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق