تل الزعتر...
جرح يأبى النسيان
بقلمي / تغريد الحاج
الحلقة الخامسة والستين
~~~~~~~~~~~~~~
ليلة سقوط القمر، وصمت صوت الآذان لأول مرة
النجوم عابسة عيونها تدمع في ظل غياب القمر
والسماء تبكي لعينيك يا تل الزعتر والأرض توقفت عن الارتواء
ذبلت أوراق الورد حزنا والازاهير لملمت اوراقها
وعيون الاطفال شاردة خلف اللا محدود والقتل لم يتوقف
وانهار الدماء تجري في الطريق، وعيون كهل يبحث عن أولاده واحفاده، قتلوهم بأيدٍ غادرة، قتلوا الجد والابن والحفيد
ولم يرف لهم جفن، فقد تحجرت قلوبهم وتجمدت عقولهم
الا من ابتسامة شيطان يملأها الخبث والحقد والكراهية،
هكذا بدأ السقوط وهكذا بدأ الحقد الدفين مكشراً عن أنيابه،
امتدت الأيادي للانتقام كما امتدت يد الكفر لجسد عيسى
تحاول تمزيق جسده فقط لأنه فلسطيني ....
~~~~~~~~~
لم يعد وضع المخيم محتملا في ظل ما حصل من إرباك وبلبلة، وقف القصف فجأة عند الساعة العاشرة من مساء يوم 11/8/76، بدات محطة تلفزيون الكتائب في منطقة عمشيت تبث بيانات حول المخيم، كان اعلامها يصور ان الجبهة اللبنانية تخوض معركة العلمين، الإنسان الذي لا يعرف مخيم تل الزعتر يصدق هذا الإعلام المخادع ...
بدأت في هذا الوقت ايضا تتحدث عن النهاية الوشيكة للمعارك التي انتصر بها اليمين الانعزالي، لكنها لم تتحدث عن تدخل سوربا في المعركة لصالحهم اطلاقا بل ونفت كل الإشاعات حول هذا الموضوع، الا أن وسائل الإعلام الغربية في بيروت كانت تدون وتصور كل ما يجري، اعلام غربي متواجد في المنطقة الشرقية والغربية، لكن في تلك الليلة منع الصحفيين العرب والأجانب من الاقتراب من محيط المخيم او الدكوانة، كان السبب في ذلك، ان هذه القوى كانت تعد العدة لارتكاب أبشع المجازر بحق المدنيين العزل لانها كانت تدرك ان لا سبيل لخروج أبناء المخيم الا عبر هذه الطرق، كما منعت الصحفيين أيضا من الاقتراب من مصلبية المخيم القريبة من جسر الباشا ....
كانت الأدوار موزعة بشكل مأساوي، حزب الوطنيين الأحرار الذي تموضع في مخيم جسر الباشا بكامل أسلحته، وحزب الكتائب وحراس الارض وجماعة الباش مارون تموضعوا في منطقة الدكوانة بدأً من حي بيت الاشهب وصولا إلى مكتب الكتائب في ساحة الدكوانة، كما تم وضع عناصر كانت بالمخيم على هذه الطريق لتقوم بدور أمني وهو الإشارة عن كل مقاتل ينزل الى ساحة الدكوانة، المخيم لم يسقط ولكن اليأس الذي وصل إلى حافة الانفجار هو الذي دفع أبناء المخيم لاتخاذ هذه الخطوة، قيادات المخيم حسمت أمرها قبل ذلك، منهم من غادر مع الصليب الأحمر ومنهم من غادر عبر طرق الجبل ...
كانت الكوادر التنظيمية تعرف انها في كلتا الحالتين ميتة سواء نزلت إلى الدكوانة او سلكت طريق الجبل، ليلة لن ينساها أبناء تل الزعتر، وقف القصف فجأة وبدأت مكبرات الصوت الكتائبية تنادي من جديد على بعض أبناء المخيم تدعوهم للاستسلام وتسليم سلاحهم ضمان لنجاتهم، كانت هذه النداءات خدعة من خدع الحرب التي يستخدمها من يكسب المعركة، أبناء المخيم لم يعودوا يجدوا من يراجعون، طرقات الجبل استشهد عليها الكثيرين وهم يحاولون اجتياز الحواجز وارتال الدبابات، كانت تجازف اي مجموعة من المقاتلين باجتياز هذه الحواجز لكن سرعان ما يعود من المجموعة مقاتل او اثنان وباقي المجموعة كانت تستشهد على الطرقات، أصبح اعلى المخيم بين فكي كماشة، الكتائب من ناحية والاحرار من ناحية أخرى ومصير مجهول ينتظر سكان المخيم، مخيم لم يستشهد به هذا العدد الكبير الا عند سقوط المخيم، بدأت ساعات العد العكسي بالتنازل، ساعات تمر كأنها دهر من التقرب وتقرير مصير المخيم، وسط حالة من الخوف لما قد يحصل، ظروف أجبرت العديد من المقاتلين النزول إلى الدكوانة، من رافق والديه المسنين وأبى ان يتركهم وحيدين في هذا الظرف، ومن كان اولاده صغار اضطر إلى أن لا يتركهم في المخيم، ومن استشهدت زوجته وتركت أطفالها وليس لهم الا الوالد يحميهم، كثيرين رافقوا اهلهم المرضى، لقد تغلبت العاطفة الإنسانية على القرار للكثيرين، نساء وصبايا في عمر الورد، كيف تترك لوحدها، يأس لم يعيشه اي مجتمع في منطقتنا العربية، كان الجميع بحالة ذهول ووصل تفكيرهم إلى حائط مسدود، ما الحل ؟!! لا أحد يعرف الجواب والوقت يمر كالجبال، ما أبشع هذا الشعور، كل شيء له علاقة بالحياة مقطوع عن تل الزعتر، وكان الخروج من المخيم، كانت حالة الموت مرسومة على وجوه الجميع، لم تكن تسمع من أبناء المخيم الا نطق الشهادة، مجموعات من الحي الشرقي للمخيم، من أهالي هونين ومن أهالي سهل الحولة، سلكوا طريق المصلبية، ظنوا انها آمنة أكثر من الدكوانة، لكن يد الإجرام كانت لهم بالمرصاد، لم يقترب منهم حزب الوطنيين الأحرار، خوفا من ان يكون بينهم مسلحين، لكنهم بدأوا إطلاق النار من رشاشات ال500 من مرتفعات جسر الباشا، المنطقة ما بين المخيم وبين المصلبية منطقة مكشوفة، لا شجر فيها ولا صخر ولا اي بناء، أناس عزل ليس لديهم ما يدافعون به عن أنفسهم سقطوا شهداء بالمئات خلال دقائق معدودة، أكثر من ستمائة شهيد بأقل من ساعة، هذه عدالتهم، اصطياد الاناس الأبرياء بلا ضمير ولا أخلاق، بقلوب خلت من الرحمة والإيمان، وهم تحت تأثير الكحول والمخدرات، كانت تسمع ضحكاتهم على الملأ، نساء ورجال وأطفال وصبايا بعمر الورود، كانت عملية انتقام لم يسبق له مثيل في التاريخ !!!!!
📌 على أمل اللقاء في حلقة قادمة
من ( تل الزعتر جرحٌ يأبى النسيان )
جرح يأبى النسيان
بقلمي / تغريد الحاج
الحلقة الخامسة والستين
~~~~~~~~~~~~~~
ليلة سقوط القمر، وصمت صوت الآذان لأول مرة
النجوم عابسة عيونها تدمع في ظل غياب القمر
والسماء تبكي لعينيك يا تل الزعتر والأرض توقفت عن الارتواء
ذبلت أوراق الورد حزنا والازاهير لملمت اوراقها
وعيون الاطفال شاردة خلف اللا محدود والقتل لم يتوقف
وانهار الدماء تجري في الطريق، وعيون كهل يبحث عن أولاده واحفاده، قتلوهم بأيدٍ غادرة، قتلوا الجد والابن والحفيد
ولم يرف لهم جفن، فقد تحجرت قلوبهم وتجمدت عقولهم
الا من ابتسامة شيطان يملأها الخبث والحقد والكراهية،
هكذا بدأ السقوط وهكذا بدأ الحقد الدفين مكشراً عن أنيابه،
امتدت الأيادي للانتقام كما امتدت يد الكفر لجسد عيسى
تحاول تمزيق جسده فقط لأنه فلسطيني ....
~~~~~~~~~
لم يعد وضع المخيم محتملا في ظل ما حصل من إرباك وبلبلة، وقف القصف فجأة عند الساعة العاشرة من مساء يوم 11/8/76، بدات محطة تلفزيون الكتائب في منطقة عمشيت تبث بيانات حول المخيم، كان اعلامها يصور ان الجبهة اللبنانية تخوض معركة العلمين، الإنسان الذي لا يعرف مخيم تل الزعتر يصدق هذا الإعلام المخادع ...
بدأت في هذا الوقت ايضا تتحدث عن النهاية الوشيكة للمعارك التي انتصر بها اليمين الانعزالي، لكنها لم تتحدث عن تدخل سوربا في المعركة لصالحهم اطلاقا بل ونفت كل الإشاعات حول هذا الموضوع، الا أن وسائل الإعلام الغربية في بيروت كانت تدون وتصور كل ما يجري، اعلام غربي متواجد في المنطقة الشرقية والغربية، لكن في تلك الليلة منع الصحفيين العرب والأجانب من الاقتراب من محيط المخيم او الدكوانة، كان السبب في ذلك، ان هذه القوى كانت تعد العدة لارتكاب أبشع المجازر بحق المدنيين العزل لانها كانت تدرك ان لا سبيل لخروج أبناء المخيم الا عبر هذه الطرق، كما منعت الصحفيين أيضا من الاقتراب من مصلبية المخيم القريبة من جسر الباشا ....
كانت الأدوار موزعة بشكل مأساوي، حزب الوطنيين الأحرار الذي تموضع في مخيم جسر الباشا بكامل أسلحته، وحزب الكتائب وحراس الارض وجماعة الباش مارون تموضعوا في منطقة الدكوانة بدأً من حي بيت الاشهب وصولا إلى مكتب الكتائب في ساحة الدكوانة، كما تم وضع عناصر كانت بالمخيم على هذه الطريق لتقوم بدور أمني وهو الإشارة عن كل مقاتل ينزل الى ساحة الدكوانة، المخيم لم يسقط ولكن اليأس الذي وصل إلى حافة الانفجار هو الذي دفع أبناء المخيم لاتخاذ هذه الخطوة، قيادات المخيم حسمت أمرها قبل ذلك، منهم من غادر مع الصليب الأحمر ومنهم من غادر عبر طرق الجبل ...
كانت الكوادر التنظيمية تعرف انها في كلتا الحالتين ميتة سواء نزلت إلى الدكوانة او سلكت طريق الجبل، ليلة لن ينساها أبناء تل الزعتر، وقف القصف فجأة وبدأت مكبرات الصوت الكتائبية تنادي من جديد على بعض أبناء المخيم تدعوهم للاستسلام وتسليم سلاحهم ضمان لنجاتهم، كانت هذه النداءات خدعة من خدع الحرب التي يستخدمها من يكسب المعركة، أبناء المخيم لم يعودوا يجدوا من يراجعون، طرقات الجبل استشهد عليها الكثيرين وهم يحاولون اجتياز الحواجز وارتال الدبابات، كانت تجازف اي مجموعة من المقاتلين باجتياز هذه الحواجز لكن سرعان ما يعود من المجموعة مقاتل او اثنان وباقي المجموعة كانت تستشهد على الطرقات، أصبح اعلى المخيم بين فكي كماشة، الكتائب من ناحية والاحرار من ناحية أخرى ومصير مجهول ينتظر سكان المخيم، مخيم لم يستشهد به هذا العدد الكبير الا عند سقوط المخيم، بدأت ساعات العد العكسي بالتنازل، ساعات تمر كأنها دهر من التقرب وتقرير مصير المخيم، وسط حالة من الخوف لما قد يحصل، ظروف أجبرت العديد من المقاتلين النزول إلى الدكوانة، من رافق والديه المسنين وأبى ان يتركهم وحيدين في هذا الظرف، ومن كان اولاده صغار اضطر إلى أن لا يتركهم في المخيم، ومن استشهدت زوجته وتركت أطفالها وليس لهم الا الوالد يحميهم، كثيرين رافقوا اهلهم المرضى، لقد تغلبت العاطفة الإنسانية على القرار للكثيرين، نساء وصبايا في عمر الورد، كيف تترك لوحدها، يأس لم يعيشه اي مجتمع في منطقتنا العربية، كان الجميع بحالة ذهول ووصل تفكيرهم إلى حائط مسدود، ما الحل ؟!! لا أحد يعرف الجواب والوقت يمر كالجبال، ما أبشع هذا الشعور، كل شيء له علاقة بالحياة مقطوع عن تل الزعتر، وكان الخروج من المخيم، كانت حالة الموت مرسومة على وجوه الجميع، لم تكن تسمع من أبناء المخيم الا نطق الشهادة، مجموعات من الحي الشرقي للمخيم، من أهالي هونين ومن أهالي سهل الحولة، سلكوا طريق المصلبية، ظنوا انها آمنة أكثر من الدكوانة، لكن يد الإجرام كانت لهم بالمرصاد، لم يقترب منهم حزب الوطنيين الأحرار، خوفا من ان يكون بينهم مسلحين، لكنهم بدأوا إطلاق النار من رشاشات ال500 من مرتفعات جسر الباشا، المنطقة ما بين المخيم وبين المصلبية منطقة مكشوفة، لا شجر فيها ولا صخر ولا اي بناء، أناس عزل ليس لديهم ما يدافعون به عن أنفسهم سقطوا شهداء بالمئات خلال دقائق معدودة، أكثر من ستمائة شهيد بأقل من ساعة، هذه عدالتهم، اصطياد الاناس الأبرياء بلا ضمير ولا أخلاق، بقلوب خلت من الرحمة والإيمان، وهم تحت تأثير الكحول والمخدرات، كانت تسمع ضحكاتهم على الملأ، نساء ورجال وأطفال وصبايا بعمر الورود، كانت عملية انتقام لم يسبق له مثيل في التاريخ !!!!!
📌 على أمل اللقاء في حلقة قادمة
من ( تل الزعتر جرحٌ يأبى النسيان )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق