الهجرة النبوية الشريفة :
اشتد اذى المشركين للنبي محمد عليه الصلاة والسلام واصحابه الكرام ، فأخذوا يعذبونهم ويمنعون عنهم البيع والشراء واتفقوا على محاصرة وعزل بني هاشم . وراحوا يضعون الشوك في طريق الرسول ويشتمونه ويستهزئون به ، ويضربونه والقوا عليه برحم الشاة وهو يصلي .
وزاد أذاهم بعد وفاة عمه ابو طالب وزوجه خديجة في عام واحد حيث سمي ذلك العام بعام الحزن .
ما عاد بوسع الصحابة الكرام ولا رسول الله تحمل ذلك الاذى ، فقرر النبي الذهاب الى الطائف يلتمس النصرة منهم وليدعوهم الى الاسلام . ولكن خاب امله فيهم فراحوا يشتمونه واغروا به سفهاءهم وعبيدهم يصيحون به ويطاردونه ويلقون عليه الحصى والحجارة فأدموا قدميه الشريفتين .
عاد الى مكة خائبا وراح يعرض نفسه على القبائل فأسلم ستة من اهل يثرب وهم من الخزرج ولما عادوا اخبروا قومهم . وفي العام التالي اصبحوا اثني عشر رجلا ، وفي العام الثالث اصبحوا ثلاثة وسبعون رجلا وامرأتين . عاهدوه وبايعهم على ان ينصروه ويدافعوا عنه .
بعد ذلك جاء الامر من الله تعالى بالهجرة الى المدينة ، وبدأ الصحابة بمغادرة مكة جماعات متفرقة وسرا ، الا سيدنا عمر بن الخطاب خرج علانية وقال لهم : من يريد ان تثكله امه فليلقني خلف ذلك الوادي .
اما الرسول عليه الصلاة والسلام فبقي في مكة مع صديقه الوفي ابي بكر الصديق وابن عمه علي بن ابي طالب رضي الله عنهما ينتظر امر الله باللحاق باصحابه .
فما ان علمت قريش بنية محمد الهجرة واللحاق باتباعه الى يثرب حتى اجتمعوا في دار الندوة ، وقرروا ان يأخذوا من كل قبيلة رجلا بسيفه الصارم ، ويهووا على راس محمد ضربة رجل واحد فيتفرق دمه بين القبائل ولا يقوى بنو عبد مناف على حربهم جميعا فيقبلون بالدية ، ويتخلصوا منه ومن دعوته الجديدة ، وكان هذا رأي ابي جهل بن هشام .
اتاه جبريل وقال له : يا محمد لا تبت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه .
جاء الليل وتجمع الرجال على بابه يرصدونه حتى يأوي الى فراشه كي ينقضوا عليه .
رآهم النبي وقال لعلي : نم على فراشي وتسج - اي تغطى - ببردي الاخضر فانه لن يخلص اليك شيء تكرهه منهم .
ثم خرج الرسول واخذ حفنة من تراب بيده الشريفة وجعل ينثره على رؤوسهم وهو يتلو ( وجعلنا من بين ايديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون * ) . فأخذ الله ابصارهم فلم يروه خارجا ثم انصرف .
بعد ذلك استفاقوا مستغربين فرأوا رجلا قال لهم : ماذا تنتظرون هنا ؟ قالوا : محمدا . قال : لقد خرج . ثم نظروا الى الفراش وقالوا له : انه نائم هنا . اقتحموا المنزل وهموا بضرب النائم فقام الامام علي من الفراش ! عندها خاب املهم وانصرفوا خاسئين .
ذهب النبي الى ابي بكر الصديق واخبره بأمر الله تعالى بالهجرة بصحبته فبكى فرحا مسرورا وأحضر له راحلتين ، وطلب النبي من علي البقاء في مكة حتى يؤدي الامانات لاصحابها .
ذهبا الى غار ثور وطلب ابو بكر الصديق من ابنه عبد الله ان يأتيه ليلا بما يتحدث به اهل مكة ومن ابنته اسماء ان تأتيهما بالطعام معه .
بقيا في الغار ثلاثة ايام ووضعت قريش مائة ناقة لمن يعثر على محمد .
وصلت اقدام الباحثين عنه الى غار ثور .
ذعر الصديق وقال للنبي بصوت خافت : لو نظروا اسفل قدمهم لروأنا . فطمأنه النبي وقال له : يا ابا بكر ما ظنك بإثنين الله ثالثهما ؟ يا ابا بكر لا تحزن ان الله معنا . وهنا نزلت الآية الكريمة رقم 40 من سورة التوبة :
" الا تنصروه فقد نصره الله اذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين اذ هما في الغار اذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وايده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم * " .
هنا أعمى الله بصرهم وبصيرتهم فلم ينتبهوا لهما ابدا .
وتقول بعض الروايات الضعيفة بان الله ارسل عنكبوتا فنسجت بيتا على باب الغار ، وحمامة بنت عشا وباضت فيه . فقالوا عندما رأوا ذلك : لا يعقل ان يكون محمد بداخله .
ثم عادوا ادراجهم .
اتجه النبي وصاحبه الصديق صوب المدينة ( 420 كلم ) ووصلها يوم الاثنين في 12 ربيع الاول بعد البعثة ب 13 سنة وكان عمره 53عاما ، وذلك عن طريق ثنيات الوداع وليس الطريق المعتادة ، فرأته نساء الانصار باديء ذي بدء ، ثم الصحابة والانصار واستقبلوه استقبال الابطال الفاتحين بالاغاني والدفوف والسرور يرتسم على وجوههم وهم ينشدون :
طلع البدر علينا من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا ما دعا لله داع
ايها المبعوث فينا جئت بالامر المطاع
جئت شرفت المدينة مرحبا يا خير داع
ولما تولى الخلافة امير المؤمنين عمر بن الخطاب جعل التاريخ المعتمد وفقا للتقويم الهجري اي القمري بدلا من التقويم الشمسي اي الميلادي ، وذلك بعد سنتين ونصف من خلافته . وبما ان محرم هو اول الاشهر القمرية فقد اعتمد التقويم منه في السنة التي هاجر فيها الرسول ، وسار على ذلك التقويم المسلمون منذ ذلك التاريخ الى يومنا هذا . وكان ذلك في 1 محرم سنة 17 للهجرة .
وكل عام وانتم بخير .
( كلمة القيتها بداية عام 1435 للهجرة الموافق فيه
4/ 11/ 2013 امام طالباتي الكريمات في دار الايتام الاسلامية - تمكين المرأة ) .
محمد جمال الغلاييني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق