الثلاثاء، 31 مارس 2020

هذا هو عطر أمي الخاص ... بقلم الكاتبة المتألقة فاديا حسون

هذا هو عطر أمي الخاص .
.. في مثل هذا الوقت من العام .. كان عطر مئزرها يحرض الأنوف على مزيد من الاشتمام ...وتسرح الأنفس هائمة في تعظيم الخالق المبدع ...ذاك المئزر المرقع المتوارث عن جدتي ... كانت أمي ترتديه فوق ملابسها لتجمع فيه ما تيسر لها من خلاصة الربيع ..الزعتر البري ... كان يتسيد محتويات مئزرها ...وتبقى ثياب امي تنطلق منها أزكى الروائح على مدى النهار ...ترافقنا أثناء طعامنا وشرابنا ... ويكون لوسادتنا نصيب من ذاك العبق المرتبط بأمي ... لا تزال هذه الرائحة الآسرة تنطبع في ذاكرتي الشمية ... وتستفيق عند أول رؤية لهذا النبات الخلاب ... فتمسك بيد مخيلتي وتقتادها إلى السفوح البهيجة ..والروابي الخلابة التي تخترقها جداول الربيع ..فيسري الشوق في قلبي كانسياب الدم في العروق ...الشوق لمنظر أولئك النسوة وهن جاثيات يقطفن الزعتر بشغف العاشقين ...ويتسابقن في ملئ جعبهن بأكبر كمية من هذا الكنز الرباني الجميل ...ذاكرتي لا تعرف التعثر أبدا وهي تطوف في تلك الحقول المنقوشة في الوجدان ...بل تمشي مغمضة العينين .. وتعرف تماما منابت هذه الهبة الربانية .. تكمن روعة هذا النبات بانه بري ... روته يد الله ... لم تعبث به يد بشرية .. لذلك نرى عبقه مميز يتخلل إلى قيعان العشق المعتق ..
الآن ....
 بقيت أكمام الزعتر فوق أدغاله الحالمة ... تحلم بيد تمن عليه بالمداعبة يمينا ويسارا ... بقيت الرائحة غافية في الفروع النضرة لأنها لم تلق يدا تهزها فينتشر شذاها ... تتوق أنوفنا بل وتحلم باستنشاق ذاك العبق الغائب في مقبرة المباهج التي تلاشت عند أول خطوة لأقدامنا خارج سياج الوطن ... وأمي لم تعد هنا ...

فادية حسون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق