السبت، 24 فبراير 2018

خمسينية التل ... للدكتور يوسف عراقي

خمسينية التل
ملحمة البطوله
في مخيم تل الزعتر
العصي على الموت
والذي يأبى النسيان
بقلم د. يوسف عراقي
اعداد مديرة الملتقى
تغريد الحاج
وتقديم المناضل الزعتري
ابورياح تل الزعتر
--------------------------
الأربعاء  30  حزيران 
 ---------------------------
ركزت القوات الانعزالية هجومها على جسر الباشا. في هذا اليوم، جاءت سيارتان تحملان جريحين من جسر الباشا أحدهما، (مصطفى إكي). مصطفى الأسطورة الذي بنى وحده، خط تحصينات في منطقة القلعة طوله حوالي 300 متر بدشمه وخنادقه. لم أعرفه عند وصوله إلى المستشفى، لم أستطع تمييز وجهه الشاحب، كان مصابا بأربع رصاصات في فخذه وخاصرته. قال لي: "يا دكتور لليوم التاسع لم أذق طعم النوم. ولم آكل ابدأ". أعطيناه زجاجة محلول الملح الأخيرة في المستشفى. وتبرع، خالد ابن السادسة عشر بدمه لمصطفى، لقد أصر على ذلك، على الرغم من معارضتنا، بسبب صغر سنّه. وعاش مصطفى إكي، ساعة ونصف في المستشفى، ثم انضم إلى قافلة الشهداء المدافعين عن المخيم.
 عندها عادت بي الذاكرة إلى الوراء، يوم أصيب برأسه ووجهه في معركة حرج تابت، وأجريت له عملية ناجحة في وجهه، أعدت له ملامح وجهه كما كانت، وأصبحنا بعدها صديقين، واخذ يروي لي قصة حياته. كيف ترك كل شيء وجاء إلى تل الزعتر، ومصطفى إكي كان نجاراً ماهراً، ورياضيا مميزا، نقل عشقه للرياضة إلى شباب المخيم، فدرب جيلاً منهم في نادي المخيم. إذ كان من عشاق كرة القدم، فصار في النهاية، وعند حصار المخيم مقاتلاً عبقرياً. اذكر بعد خروجه من المستشفى، والذي تزامن مع انفراج أمني، أنه سافر إلى قطر، لزيارة أهله ولكنه فاجأنا بعودته بعد أسبوع واحد. عاد مصطفى لأنه كما قال لي: أصبحت أعشق تل الزعتر، ولا أريد أن أكون بعيدا عنه.. نعم عشقه حتى الموت. فعاش ومات من أجله. عند الغروب كانت تلة المير قد سقطت بأيدي القوات الانعزالية، وذهبت لأتابع الأمر عبر نافذة غرفة الطوارئ.  رأيت علمهم فوق التلة، انتظرت إزالة العلم، ولكن انتظاري طال هذه المرة وبقي العلم، وشعرت في قرارة نفسي أن الوضع، أصبح خطيرا جدا.
 وصلتنا الأخبار، بأن مخيم جسر الباشا، ومنطقة القلعة قد سقطا في أيدي الانعزاليين.. وكانت هناك أخبارعن مجازر ارتكبت، وعمليات قتل رهيب.. ومرت أمام ناظري ذكريات الأهالي ممن عرفتهم هناك.  تذكرت (الياس نصراوي)، وذلك الشاب الذي أصيب بشظية في رئته وكيف أجريت له عملية، وحدثت مضاعفات، "التهاب صديدي"، في صدره اضطرته للمكوث في المستشفى مدة أطول، الى أن تحسنت حالته، وعمل متطوعاً في الهلال بعد ذلك. تذكرت د جورج، وتذكرت (ظريفة) التي أصيبت في ساقها، وكيف أنها كانت خائفة جداً من تشوه ساقها نتيجة الجرح الكبير وطمأنتها، وكانت راضية تماماً عن العملية ونتائجها. تذكرت ( سهيلة )  والفتيات الأخريات، والشبان الذين عرفناهم وعملوا معنا كمتطوعين.
لقد أثر سقوط مخيم جسر الباشا، ومنطقة القلعة في المعنويات لدينا، لما يمثلان من أهمية لحماية ظهر المخيم، ولم تبق إلا منطقة المصانع، إن استولوا عليها، أصبح الطوق محكماً من كافة الجهات.     
في تلك الليلة.. جاء من يقول لنا، أن سلمان وأدهم، قد أصيبا خلال جولة لهما على المواقع وتفقد المقاتلين. سبقني الدكتور عبد العزيز، ليرى ما حدث. كان سلمان قد أصيب بشظية في منطقة  الصدر، ولكن إصابته كانت سطحية. أما إصابة أدهم فكانت أكبر.. لقد كسرت عظمة الكوع، أجريت له العملية، ووضعت الجبس، ونام ليلتها في غرفة العمليات، تحت المغسلة، في غرفة الأطباء حيث كنا ننام جميعاً مع الممرضين والممرضات.
 غرفتنا كانت قد اكتظت بالجرحى هناك أبو نضال، مسؤول مدفعية الهاون وقد أصيب برجله. وخلال إجرائي العملية له وكان تحت البنج الموضعي، انهمرت الدموع من عينيه ليقول لي: يا دكتور أنا خائف الشباب يضيعوا! كان يقصد مجموعة الأشبال التي دربها في قاعدته. فقد كان الأب والأخ بالنسبة لهم، لكنهم تصرفوا بمسؤولية بعد إصابته، وأبلوا بلاء حسناَ.
 على السرير المجاور لأبي نضال، كان يرقد الملازم (زياد)*، ذلك الشاب الأشقر، صاحب العينين الخضراوين، كان ضابط الارتباط، وساعدنا كثيراً في إيصال الجرحى إلى مستشفيات بيروت الغربية، وكان قد أصيب بشظية، أتلفت احدى خصيتيه، أجريت له عملية، اضطررت لاستئصال الخصية، نتيجة تهتك الأنسجة والنزيف الحاد. وهناك (العينا) المقاتل الجيد، وكان مدرساً، أصيب في عينيه وفقد إحداهما، وأصيبت الأخرى. وهناك جرحى آخرون، وكثيرا ما كنت أتعثر بأحدهم في الظلام الدامس، حتى الشمعة، كنا أحيانا نفتقدها، فعددها محدود ولا نستطيع إشعالها في كل مكان.
• *إسمه الحقيقي مازن المبسلط  وهومن عائله فلسطينية ميسورة عمل في اوروربا  قتل بطريقة بشعة في منطقة بعبدا حيث علق وصلب ( المصدر ناصر دجاني)
يتبع ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق