ليلة سقوط تل الزعتر
( في عيون طفلة )
بقلمي/تغريد الحاج
الجزء الأول ...
--------------------
ليلة غاب عنها الحق واختفت آدمية البشر، ليلة غُسلِتّ بالدموع والدماء وصار كل شيء فيها بلون الدم حتى الدموع باتت بلون شقائق النعمان والكل يصرخ الله اكبر، وآدمية البشر تلاشت وكشر الوحش عن انيابه مفترسا كل من يصادفه، وتبعثرت الجثث، في كل زوايا المخيم ....
وفدائي يأبى الخنوع ويأبى الاستسلام، يسلك وعورة طرق لم يعهدها من قبل وفي كل الاتجاهات سائرا بحثا عن بصيص أمل بالنجاة !!! فدائي رفض الواقع وصرخ ان الزعتر لن يموت وسيبقى اخضرا كاحد الوان علم فلسطين .....
------------------------
هذا اليوم اذكره جيدا وكانه الامس القريب فمازالت الصور حاضرة، اذكر أننا خرجنا من الملجأ في الظلام الحالك في هذه الليلة، وكنا نسير وكاننا الاموات المبعثون من قبور الموت، منهكي القوى بعد حصار مطبق قاتل، قاصدين منزل إحد الأصدقاء اللبنانيين في الدكوانة على أمل أن تنتهي المعركة ونعود إلى بيوتنا ...
وفي جنح هذه الليلة وصلنا ومكثنا تلك الليلة وكانت وكانها ليلة ترقب المجهول، وفي الصباح الباكر لهذا اليوم المشؤوم استيقظنا فجرا على طرق الباب بطريقة همجية، أيقنا حينها أن الانعزاليين وصلوا للمنزل الذي بتنا ليلتنا فيه نحن ووالدتي واهل والدتي، وكنا لا نعلم شيء عن والدي حتى تلك اللحظة، ولم يجرؤ الجبناء ان يدخلوا البيت ...
رغم انهم كانوا مدججين بالسلاح، وقفوا على اعتابه ينادون علينا بالخروج، وفي لحظة تذكرنا ان هوية والدي العسكرية واوراقة التبوثية جميعها كانت بحوزتنا، ولابد من التخلص منهم قبل أن تقع في ايديهم، قصدنا احدى الغرف في المنزل وكان بها نافذة تطل على طريق خلفي للبيت قمنا بتمزيق كل اوراق والدي والقيناها خارجا، هم يصرخون ويطالبوننا بالخروج فورا والا سيطلقون النار على كل من في الداخل، خرجنا، واوقفونا عدة صفوف تحت لهيب شمس آب الحارقة وأخذوا يعتدون علينا بالضرب والركل ببنادقهم ويشتمونا بأبشع الألفاظ النابية، وقاموا و أخذوا أخي محمد ولم يكن عمره حينها تجاوز الخمسة سنوات، وهم يسألون والدتي كيف تريدين ان نقتله لك، وهم يرسمون الصليب على صدره بالسلاح، ويعاودون السؤال كيف تريدين تفجير راس هذا الفلسطيني !!!!!
في هذه اليوم المشؤوم لم يكن القتل على الهوية فقط ولا على بطاقة الاعاشة، بل وصل الإجرام ان يكون القتل على اللهجة الفلسطينية، كانت تغيظهم تلك اللهجة، فكم كانت اشرف اللهجات كريهة لهم، وكم من شهيد وشهيدة سقطوا وهم ينطقوها ....
عرفوك فلسطيني من كلمة بَنْدوره وبدأوا بسؤالنا، وجاء الاختبار ان ننطقها فردا فردا وكان من حسن حظنا اننا نتقنها باللهجة اللبنانية حيث ان جدتي لبنانية وكنا نتكلم اللبناني باتقان، فان قلت ( بَندوره) بلهجتنا عليكَ السلام ولروحكَ السلام وان قلتها باللهجة اللبنانيه ( بَنَدووره ) فقد تشفع لك، حاسبونا واغتالَونا ما بين حاجز وحاجز على اشرف اللهجات، يا لحقدهم ويا لحقارتهم !!!!!
وللجريمة بقية ......
ليلة سقوط تل الزعتر
( في عيون طفلة )
بقلمي/تغريد الحاج
الجزء الثاني ....
---------------------
واصلنا المشي مسافة ليست بقصيرة بين بيوت وكانت المنطقة كثيفة بالأشجار وفي الطريق شاهدنا رجل بشع الملامح، ثملا تفوح منه رائحة كريهة، يحمل سكينا ويسنها على صخرة كان يدعى ابو ايلي حيث نادوا عليه " ابو ايلي " من كانوا يقودنا وسألوه ماذا تفعل فرد عليهم قائلا : " اجهز سكيني، فاليوم يوم الذبح وسأنتقم من الفلسطينيين " مع سيل عارم من الشتائم والألفاظ البذيئة المتداولة لديهم ولكن لا اعرف كيف عماه الله عنا، واستمرينا بالمشي واذ بنساء انعزاليات يتناولن قهوة الصباح فرحين على وقع سقوط مخيمنا وبدأوا بنعتنا بالذباب الازرق ...
وبينما نسير التقى بنا رجل مسيحي يدعى جورج كان يعرفه جدي منذ سنين حين يحضر إلى المخيم يقصد مضافة جدي ليشرب القهوة المرة عنده، واخذ ينادي على جدي بالاسم ( اين ابو العبد السخنيني) ويذكره بنفسه ولكن الخوف كان يتملك كل فلسطيني في المخيم ان يعلن عن شخصيته، وبعد مناداة كثيرة، رد عليه جدي وتعرف عليه وإذ به يخبره بانه سيخرجنا ويوصلنا الى منطقة بر الأمان، وفعلا رافقنا بالمسير وقبل وصولنا لساحة الدكوانة طلبت والدتي منه وترجته ان ينتظرها إلى حين ذهابها إلى الفندقية لإحضار بيت جدي وعماتي من هناك فجلس الجميع تحت درج لإحدى البنايات لحين عودة والدتي ....
وحين وصلت والدتي الفندقية شاهدت الجموع الغفيرة من اهالي
المخيم، واذ بالقائد المغيب اسماعيل كروم ( ابو الفدا ) احد صقور التل الابطال تلتقيه هناك وهو لاخر لحظة كان حريص على اهل مخيمه
(هذا الحرص الذي دفع ثمنه هو وزوجته واولاده وأفراد كثيرة من عائلته ) تسمرت والدتي من هول ما رأت، وبادرها بالسوال، ما الذي جاء بك إلى هنا فاجابته، وما كان الا ان طلب منها ان تغادر المكان فورا لاحساسه ان المكان غير آمن، فسالته والدتي :
(هل سنخرج بسلام ؟؟ ) متأملة ان تسمع منه ما يريحها ويطمنها فرد عليها وهو يصرخ بوجهها (غادري هذا المكان فورا وعودي الى اولادك وقال لها بالحرف رحمه الله : (ما راح يضل فينا مخبر يخبر ما حل بنا)
تملك والدتي الخوف أكثر فأكثر لما لهذا البطل من دارية وكيف يقرأ ما يحدث حوله بهذا اليوم المشؤوم، وما كان منها الا ان غادرت الفندقية وبصحبتها جدي وعماتي وخالها ابوساطي عائدة إلينا ...
وللجريمة بقية ......
ليلة سقوط تل الزعتر
( في عيون طفلة )
بقلمي/تغريد الحاج
الجزء الثالث ...
--------------------
واستقلينا سيارة نقل (شاحنة) استاجرتها والدتي بعد ان دفعت لسائقها كل ما بحوزتها (1700 ليرة ) وكل ما تملك من ذهب وسارت بنا الشاحنة بعد أن قامت والدتي بإلباس عماتي ملابس رثة وتلطيخ وجههن بالسواد، واجلستنا فوقهم بالشاحنة، الى ان وصلنا حي السريان بالاشرفية وتوقف السائق بناءا على طلب إحدى الانعزاليين الذي أطل علينا من إحدى الابنية طالبا من الرجال النزول من الشاحنة وقادوهم الى داخل المبنى وقاموا بتعذيبهم وضربهم، وخرجوا بأعجوبة لا نعلم كيف ومعالم التعذيب على وجهوهم (حيث ان هذا المبنى كان مكتبا عسكريا مخابراتيا للانعزاليين الأحرار يتم فيه التعذيب والقتل والتنكيل ) ....
وتحركت الشاحنة باتجاه المتحف، حينها قال جورج لجدي اعذرني، سلطتي انتهت هنا وليس لي سلطة بعد ذلك فهناك فريق اخر من الانعزاليين يسيطرون على المكان وهذا يعني اننا أمام مكان اصعب مما مررنا به، وما كان منا الا ان ترجلنا مشيا على الاقدام الى ان وصلنا الى المتحف وكانت حالتنا لا توصف، الرعب والذهول والصدمة من كل ما شاهدناه، عيون الاطفال شاردة خلف اللا محدود والقتل لم يتوقف وانهار الدماء تجري في الطريق، وعيون كهل يبحث عن أولاده واحفاده، قتلوهم بأيدٍ غادرة، قتلوا الجد والابن والحفيد ولم يرف لهم جفن، فقد تحجرت قلوبهم وتجمدت عقولهم الا من ابتسامة شيطان يملأها الخبث والحقد والكراهية، هكذا الطريق عبر المتحف وهكذا الحقد الدفين كشر عن أنيابه، والأيادي الغادرة تمزيق الاجساد لا لشيء الا لأنه فلسطيني ...
كان المتحف مسرحا للإعدام، والقتل والسحل، بل تفوقوا بجرائمهم وتنكيلهم، فقد ابتدعوا اساليب للتعذيب وفنون لم يكتب عنها التاريخ (فسخ الانسان الى نصفين وهو حيَ، كانوا يربطون الشاب بسيارتين تسيران بإتجاه معاكس مما يؤدي إلى قطعهُ بالنصف والبعض كانوا يربطون الشاب من قدميه بسيارة وتسير به على الطريق إلى أن يفارق الحياة) عدا عن ضرب الاعناق والرؤؤس (بالبلطة) اجرام ليس بعده اجرام !!!!!
وبعد عمليات القتل والذبح والسحل وتقطيع الاوصال كان أي شاب يخرج من الدكوانة يتم أخذه على تلك الحواجز ويقتلوه، رائحة الموت منتشرة ومن يسلم من الحاجز الأول لا يسلم من الحاجز الثاني والثالث ورغم قرب المسافة بين حي السريان والمتحف، كانت قوات الردع العربية تقف على بعد امتار متفرجة وهي تعرف ترى ما يجري وتشاهد القتل والتعذيب والاعدامات، حيث كانت الجثث منتشرة على الطرقات، ولم تخلو منطقة من جثث أبناء المخيم، وخاصة في حي السريان، جثث هنا وجثث هناك، ولا يتجرأ احد أن يقول هذا الشهيد قريبي !!!!!
وللجريمة بقية ......
ليلة سقوط تل الزعتر
( في عيون طفلة )
بقلمي/تغريد الحاج
الجزء الرابع ...
--------------------
كان ذلك اليوم أشبه بيوم الحشر، وصلنا المتحف وبينما نحن نقترب شيئا فشيئا فاذا بشاحنة كبيرة (قلاب رمل) تقل اناس كثر ومن كثرة عددهم كانوا غنيمة كبيرة للانعزاليين فطلبوا من السائق ان يفتح القلاب ويرميهم منه وكأنهم ليسوا آدمين وفعلا بدأ القلاب يرتفع للاعلى والناس تتساقط فوق بعضها رجالا ونساءا واطفالا، ولا انسى مشهد امراة نحيلة الجسد عمرها تجاوز السبعين وهي عالقة في حديد القلاب الامامي وتصرخ تستجديهم وهم يضحكون ويقولون لسائق القلاب ارميهم، وانشغلوا بهم واخذنا بالركض باتجاه شارع المتحف والجهة المؤدية الى المنطقة الغربية هذا الشارع القليل الامتار كان بمثابة حبل النجاة لنا، خرجنا من المتحف وقطعنا منطقة الذبح والتنكيل الى بر الامان وقوات الردع اقصى ما كنت تقدمه انتظار من ينجو حاملين الطعام لهم !!!!!!! واصلنا المسير الى منطقة الكولا ببيروت وكانت وجهتنا الى مخيم عين الحلوة حيث اهل والدتي هناك ....
يوم سقوط تل الزعتر يوم الحزن والألم عمً كافة المخيمات الفلسطينية وعدد كبير من القرى الجنوبية والبقاعية اللبنانية، يوم كئيب اكتنفه السواد والدموع والدم وصور المجزرة البشعة ...
سقط المخيم، وافترق الناس في مشارب الشوارع والطرقات وحيرة تملأ العقل، عقل عاجز عن استيعاب الحدث بين مصدق وغير مصدق لما جري وحالة ذهول واحباط واللاوعي فالكل في حالة غياب المنطق
اجزم ان البعض منا لم يستطع لساعات معرفة الطريق إلى اليمين او إلى اليسار، هذه الحالة أشبه ما يكون بالضياع ...
اهلنا المقيمين في المخيمات الاخري ومن كل محافظات لبنان توافدوا إلى بيروت وفي عيوننا البؤس والحزن واليأس هذا يبحث عن اخ او ابن او ابنة او قريب او صديق عزيز من أبناء مخيم تل الزعتر، كانت تعتريهم حالة فقدان الأمل من لقاء احد حيا، وحتى من وجد قريب او حبيب أو صديق كان عناقه الماَ والدموع الما والسلام الما كان الترحاب مجبولا بالأسى، فتحت لنا الابواب على مصراعيها ولكن الذهول كان سيد الموقف !!!!!
وصلنا إلى بيت اهل والدتي بمخيم عين الحلوة وبدوا باعداد لنا الحمامات لنستحم وبعض الملابس واعدوا وجبات الطعام بكل أنواعها لنا، والفراش والدثار ورحبوا بنا وسط الدموع واحيانا الصمت لعجزنا عن الكلام لحيرتنا عما يجري وعما جرى وكانت الاحاديث كلها بعد ان ارتاح الناس جسديا، عن الشهداء ومن غابوا ومن فقدوا، كم كانت مواساة الاقارب لنا وكم كانت بعض الجمل الانسانية تخفف عنا وطأة ما حصل ولكن ما اصعب وأقسى هذا اليوم حتى ان من عاشوا النكبة اجزموا ان مجزرة تل الزعتر فاقت وحشيتها عن ما قام به العدو الصهيوني وقد نسوا النكبة بعدما سمعوا عما جرى في مخيمنا الجريح من جرائم تجاوزت ما ارتكبتها النازية ....
نمنا ليلتنا الاولى بعيدا عن صوت القذائف وعن رائحة الدم وكانت ليلة كأننا جثث همدت بعد مشوار يوم عمره تجاوز السنين ...
وللجريمة بقية ......
ليلة سقوط تل الزعتر
( في عيون طفلة )
بقلمي/تغريد الحاج
الجزء الاخير ...
------------------------
في الصباح الباكر استقيظت وبدأت استوعب اننا بأمان فلا عطش ولا ماء مجبول بدماء الشهداء يحتاج ان ينقى ولا صوت لقذائف تهطل على المكان كالشتاء !!!!!!
وبدأت الح بالسؤال على والدتي اين ابي؟؟ ومتى سيعود ؟؟؟ وهل مازال على قيد الحياة ؟؟ وما المصير الذي حل به ؟؟؟ تارة امي تجيبني بانه عائد قريبا وتارة أخرى دموعها تنهال وتعجز عن الرد حيث لا جواب، وتارة تصرخ بوجهي طلبا للسكوت بسبب الحاحي ...
وفي اليوم التالي ليوم السقوط قرب المغيب كنت العب أمام البيت مع اختي ولاح لي من بعيد خيال رجل قادم باتجاهنا كان وجهه يكسوه التعب كثيف اللحية، ويده مصابة وملعقة برقبته، بدأ يقترب أكثر فأكثر أحسست حينها بالرعب، بسبب اللحية لانها كانت علامة مميزة لوجوه المجرمين الانعزاليين، وإذ به ينادينا باسمائنا لم نعرف هذه الهيئة من قبل وحين دققت بملامحه، عرفته واخذت اركض باتجاهه واقتربت منه اكثر فتأكدت انه والدي الذي لم أراه منذ أشهر طويلة جدا ضمنا إليه وصرنا ننادي بصوت عالي لوالدتي( ابوي عايش ورجع ) وكانت فرحة كبيرة ولكنها ناقصة اذ لم يبت ليلتها معنا رجع الى مستشفى الهلال لإكمال علاجه ولأنه سيخضع لعملية بيده صباح الغد ....
ذهب وسط دموع وبكاء ولم نكن قد شبعنا منه ...
وفي الصباح الباكر استيقظت والدتي كي تذهب لوالدي بالمستشفى وطلبت منها ان ارافقها وبعد الحاح شديد مني قبلت وذهبنا وصلنا ودخلنا لغرفة، رايت والدي يتالم ويصرخ من الوجع وكان ذلك بعد خروجه من العملية الثالثة ليده المعرضه للبتر، وكان لا يزال تحت تأثير البنج، بكيت يومها بحرقة لا أنساها وقامت والدتي باخراجي من الغرفة، وقفت أمام باب الطوارئ وصريخ والدي يصل حيث انا واقفة وإذ ب احد المصابين يدخلونه الى الطوارئ على حماله الإسعاف، ووضعوه أرضا استعدادا لإسعافه، اقتربت منه وكانت المفاجأة، المصاب انعزالي !!!! وعلى راسة الشارة السوداء التى كانوا يرتدونها قاتلينا بالأمس أمامي مصاب بساقه !!! وهو وامثاله السبب في صراخ والدي وتألمه !!! اصبت في حالة ذهول وانا انظر إليه وارتجف لا اعلم اهو الخوف، ام الغضب، حقيقة مشاعر غريبة اصابتني لم اكن اعي حينها معناها وانا اسمع من حوله يسألونه اين اصبت وكيف أصبت والى اي حزب تنتمي ؟؟؟
فما كان مني الا ان ركضت باتجاهه وهو لازال ملقى أرضا وبدأت اركله بكل قوتي بمكان اصابته، واركل واقول كلمات لا أتذكر منها الا
" انت قاتل والدي " واركله واسبه، ووالدتي تحاول ابعادي ولكن دون جدوى احسست بقوة غريبة تعتريني وقام احد الممرضين وطبيب من الطاقم الطبي محاولين ابعادي عنه، وانا احاول منعهم ....
في هذا الأثناء جاء طبيب واخبر والدتي بان والدي افاق من البنج وانه اكتفى ببتر اصبعه منعا من الغريرينا وانه سيتماثل للشفاء ....
وبدأت رحلة جديدة من العذاب من عين الحلوة الى الدامور مكثنا فيه ايام وبعدها كانت وجهتنا الاخيرة الى فندق الميرادور بخلدة الذي اعد لايواء جزء من أهل تل الزعتر ..
يوم 12 اب 1976 يوما لم يكن كباقي الأيام على مخيمنا الشهيد تل الزعتر، كان جهنم جاثمة حيث توجهنا والوصف يصعب " عذرا" ....
ذاكرة لم ولن تمحيها الأيام من وجداني، رحلة الموت يوم سقوط
مجزرة استمرت من صبيحة يوم 12/8/76، إلى أن تم إخلاء ساحة الدكوانة من أبناء المخيم، وسقوط ما يقارب 1500شهيد قتلوا بدم بارد، وسقط المخيم رغم إرادة أبناءه، كان سقوط المخيم أشبه بسقوط الحلم الذي راود أبناءه بالعودة والتحرير، ملحمة لم يخط التاريخ مثلها وكتب اسمها بدماء الشهداء انها ليلة السقوط الاخير ليلة غاب عنها كل شيء الا الدم والحزن والدموع ....
( في عيون طفلة )
بقلمي/تغريد الحاج
الجزء الأول ...
--------------------
ليلة غاب عنها الحق واختفت آدمية البشر، ليلة غُسلِتّ بالدموع والدماء وصار كل شيء فيها بلون الدم حتى الدموع باتت بلون شقائق النعمان والكل يصرخ الله اكبر، وآدمية البشر تلاشت وكشر الوحش عن انيابه مفترسا كل من يصادفه، وتبعثرت الجثث، في كل زوايا المخيم ....
وفدائي يأبى الخنوع ويأبى الاستسلام، يسلك وعورة طرق لم يعهدها من قبل وفي كل الاتجاهات سائرا بحثا عن بصيص أمل بالنجاة !!! فدائي رفض الواقع وصرخ ان الزعتر لن يموت وسيبقى اخضرا كاحد الوان علم فلسطين .....
------------------------
هذا اليوم اذكره جيدا وكانه الامس القريب فمازالت الصور حاضرة، اذكر أننا خرجنا من الملجأ في الظلام الحالك في هذه الليلة، وكنا نسير وكاننا الاموات المبعثون من قبور الموت، منهكي القوى بعد حصار مطبق قاتل، قاصدين منزل إحد الأصدقاء اللبنانيين في الدكوانة على أمل أن تنتهي المعركة ونعود إلى بيوتنا ...
وفي جنح هذه الليلة وصلنا ومكثنا تلك الليلة وكانت وكانها ليلة ترقب المجهول، وفي الصباح الباكر لهذا اليوم المشؤوم استيقظنا فجرا على طرق الباب بطريقة همجية، أيقنا حينها أن الانعزاليين وصلوا للمنزل الذي بتنا ليلتنا فيه نحن ووالدتي واهل والدتي، وكنا لا نعلم شيء عن والدي حتى تلك اللحظة، ولم يجرؤ الجبناء ان يدخلوا البيت ...
رغم انهم كانوا مدججين بالسلاح، وقفوا على اعتابه ينادون علينا بالخروج، وفي لحظة تذكرنا ان هوية والدي العسكرية واوراقة التبوثية جميعها كانت بحوزتنا، ولابد من التخلص منهم قبل أن تقع في ايديهم، قصدنا احدى الغرف في المنزل وكان بها نافذة تطل على طريق خلفي للبيت قمنا بتمزيق كل اوراق والدي والقيناها خارجا، هم يصرخون ويطالبوننا بالخروج فورا والا سيطلقون النار على كل من في الداخل، خرجنا، واوقفونا عدة صفوف تحت لهيب شمس آب الحارقة وأخذوا يعتدون علينا بالضرب والركل ببنادقهم ويشتمونا بأبشع الألفاظ النابية، وقاموا و أخذوا أخي محمد ولم يكن عمره حينها تجاوز الخمسة سنوات، وهم يسألون والدتي كيف تريدين ان نقتله لك، وهم يرسمون الصليب على صدره بالسلاح، ويعاودون السؤال كيف تريدين تفجير راس هذا الفلسطيني !!!!!
في هذه اليوم المشؤوم لم يكن القتل على الهوية فقط ولا على بطاقة الاعاشة، بل وصل الإجرام ان يكون القتل على اللهجة الفلسطينية، كانت تغيظهم تلك اللهجة، فكم كانت اشرف اللهجات كريهة لهم، وكم من شهيد وشهيدة سقطوا وهم ينطقوها ....
عرفوك فلسطيني من كلمة بَنْدوره وبدأوا بسؤالنا، وجاء الاختبار ان ننطقها فردا فردا وكان من حسن حظنا اننا نتقنها باللهجة اللبنانية حيث ان جدتي لبنانية وكنا نتكلم اللبناني باتقان، فان قلت ( بَندوره) بلهجتنا عليكَ السلام ولروحكَ السلام وان قلتها باللهجة اللبنانيه ( بَنَدووره ) فقد تشفع لك، حاسبونا واغتالَونا ما بين حاجز وحاجز على اشرف اللهجات، يا لحقدهم ويا لحقارتهم !!!!!
وللجريمة بقية ......
ليلة سقوط تل الزعتر
( في عيون طفلة )
بقلمي/تغريد الحاج
الجزء الثاني ....
---------------------
واصلنا المشي مسافة ليست بقصيرة بين بيوت وكانت المنطقة كثيفة بالأشجار وفي الطريق شاهدنا رجل بشع الملامح، ثملا تفوح منه رائحة كريهة، يحمل سكينا ويسنها على صخرة كان يدعى ابو ايلي حيث نادوا عليه " ابو ايلي " من كانوا يقودنا وسألوه ماذا تفعل فرد عليهم قائلا : " اجهز سكيني، فاليوم يوم الذبح وسأنتقم من الفلسطينيين " مع سيل عارم من الشتائم والألفاظ البذيئة المتداولة لديهم ولكن لا اعرف كيف عماه الله عنا، واستمرينا بالمشي واذ بنساء انعزاليات يتناولن قهوة الصباح فرحين على وقع سقوط مخيمنا وبدأوا بنعتنا بالذباب الازرق ...
وبينما نسير التقى بنا رجل مسيحي يدعى جورج كان يعرفه جدي منذ سنين حين يحضر إلى المخيم يقصد مضافة جدي ليشرب القهوة المرة عنده، واخذ ينادي على جدي بالاسم ( اين ابو العبد السخنيني) ويذكره بنفسه ولكن الخوف كان يتملك كل فلسطيني في المخيم ان يعلن عن شخصيته، وبعد مناداة كثيرة، رد عليه جدي وتعرف عليه وإذ به يخبره بانه سيخرجنا ويوصلنا الى منطقة بر الأمان، وفعلا رافقنا بالمسير وقبل وصولنا لساحة الدكوانة طلبت والدتي منه وترجته ان ينتظرها إلى حين ذهابها إلى الفندقية لإحضار بيت جدي وعماتي من هناك فجلس الجميع تحت درج لإحدى البنايات لحين عودة والدتي ....
وحين وصلت والدتي الفندقية شاهدت الجموع الغفيرة من اهالي
المخيم، واذ بالقائد المغيب اسماعيل كروم ( ابو الفدا ) احد صقور التل الابطال تلتقيه هناك وهو لاخر لحظة كان حريص على اهل مخيمه
(هذا الحرص الذي دفع ثمنه هو وزوجته واولاده وأفراد كثيرة من عائلته ) تسمرت والدتي من هول ما رأت، وبادرها بالسوال، ما الذي جاء بك إلى هنا فاجابته، وما كان الا ان طلب منها ان تغادر المكان فورا لاحساسه ان المكان غير آمن، فسالته والدتي :
(هل سنخرج بسلام ؟؟ ) متأملة ان تسمع منه ما يريحها ويطمنها فرد عليها وهو يصرخ بوجهها (غادري هذا المكان فورا وعودي الى اولادك وقال لها بالحرف رحمه الله : (ما راح يضل فينا مخبر يخبر ما حل بنا)
تملك والدتي الخوف أكثر فأكثر لما لهذا البطل من دارية وكيف يقرأ ما يحدث حوله بهذا اليوم المشؤوم، وما كان منها الا ان غادرت الفندقية وبصحبتها جدي وعماتي وخالها ابوساطي عائدة إلينا ...
وللجريمة بقية ......
ليلة سقوط تل الزعتر
( في عيون طفلة )
بقلمي/تغريد الحاج
الجزء الثالث ...
--------------------
واستقلينا سيارة نقل (شاحنة) استاجرتها والدتي بعد ان دفعت لسائقها كل ما بحوزتها (1700 ليرة ) وكل ما تملك من ذهب وسارت بنا الشاحنة بعد أن قامت والدتي بإلباس عماتي ملابس رثة وتلطيخ وجههن بالسواد، واجلستنا فوقهم بالشاحنة، الى ان وصلنا حي السريان بالاشرفية وتوقف السائق بناءا على طلب إحدى الانعزاليين الذي أطل علينا من إحدى الابنية طالبا من الرجال النزول من الشاحنة وقادوهم الى داخل المبنى وقاموا بتعذيبهم وضربهم، وخرجوا بأعجوبة لا نعلم كيف ومعالم التعذيب على وجهوهم (حيث ان هذا المبنى كان مكتبا عسكريا مخابراتيا للانعزاليين الأحرار يتم فيه التعذيب والقتل والتنكيل ) ....
وتحركت الشاحنة باتجاه المتحف، حينها قال جورج لجدي اعذرني، سلطتي انتهت هنا وليس لي سلطة بعد ذلك فهناك فريق اخر من الانعزاليين يسيطرون على المكان وهذا يعني اننا أمام مكان اصعب مما مررنا به، وما كان منا الا ان ترجلنا مشيا على الاقدام الى ان وصلنا الى المتحف وكانت حالتنا لا توصف، الرعب والذهول والصدمة من كل ما شاهدناه، عيون الاطفال شاردة خلف اللا محدود والقتل لم يتوقف وانهار الدماء تجري في الطريق، وعيون كهل يبحث عن أولاده واحفاده، قتلوهم بأيدٍ غادرة، قتلوا الجد والابن والحفيد ولم يرف لهم جفن، فقد تحجرت قلوبهم وتجمدت عقولهم الا من ابتسامة شيطان يملأها الخبث والحقد والكراهية، هكذا الطريق عبر المتحف وهكذا الحقد الدفين كشر عن أنيابه، والأيادي الغادرة تمزيق الاجساد لا لشيء الا لأنه فلسطيني ...
كان المتحف مسرحا للإعدام، والقتل والسحل، بل تفوقوا بجرائمهم وتنكيلهم، فقد ابتدعوا اساليب للتعذيب وفنون لم يكتب عنها التاريخ (فسخ الانسان الى نصفين وهو حيَ، كانوا يربطون الشاب بسيارتين تسيران بإتجاه معاكس مما يؤدي إلى قطعهُ بالنصف والبعض كانوا يربطون الشاب من قدميه بسيارة وتسير به على الطريق إلى أن يفارق الحياة) عدا عن ضرب الاعناق والرؤؤس (بالبلطة) اجرام ليس بعده اجرام !!!!!
وبعد عمليات القتل والذبح والسحل وتقطيع الاوصال كان أي شاب يخرج من الدكوانة يتم أخذه على تلك الحواجز ويقتلوه، رائحة الموت منتشرة ومن يسلم من الحاجز الأول لا يسلم من الحاجز الثاني والثالث ورغم قرب المسافة بين حي السريان والمتحف، كانت قوات الردع العربية تقف على بعد امتار متفرجة وهي تعرف ترى ما يجري وتشاهد القتل والتعذيب والاعدامات، حيث كانت الجثث منتشرة على الطرقات، ولم تخلو منطقة من جثث أبناء المخيم، وخاصة في حي السريان، جثث هنا وجثث هناك، ولا يتجرأ احد أن يقول هذا الشهيد قريبي !!!!!
وللجريمة بقية ......
ليلة سقوط تل الزعتر
( في عيون طفلة )
بقلمي/تغريد الحاج
الجزء الرابع ...
--------------------
كان ذلك اليوم أشبه بيوم الحشر، وصلنا المتحف وبينما نحن نقترب شيئا فشيئا فاذا بشاحنة كبيرة (قلاب رمل) تقل اناس كثر ومن كثرة عددهم كانوا غنيمة كبيرة للانعزاليين فطلبوا من السائق ان يفتح القلاب ويرميهم منه وكأنهم ليسوا آدمين وفعلا بدأ القلاب يرتفع للاعلى والناس تتساقط فوق بعضها رجالا ونساءا واطفالا، ولا انسى مشهد امراة نحيلة الجسد عمرها تجاوز السبعين وهي عالقة في حديد القلاب الامامي وتصرخ تستجديهم وهم يضحكون ويقولون لسائق القلاب ارميهم، وانشغلوا بهم واخذنا بالركض باتجاه شارع المتحف والجهة المؤدية الى المنطقة الغربية هذا الشارع القليل الامتار كان بمثابة حبل النجاة لنا، خرجنا من المتحف وقطعنا منطقة الذبح والتنكيل الى بر الامان وقوات الردع اقصى ما كنت تقدمه انتظار من ينجو حاملين الطعام لهم !!!!!!! واصلنا المسير الى منطقة الكولا ببيروت وكانت وجهتنا الى مخيم عين الحلوة حيث اهل والدتي هناك ....
يوم سقوط تل الزعتر يوم الحزن والألم عمً كافة المخيمات الفلسطينية وعدد كبير من القرى الجنوبية والبقاعية اللبنانية، يوم كئيب اكتنفه السواد والدموع والدم وصور المجزرة البشعة ...
سقط المخيم، وافترق الناس في مشارب الشوارع والطرقات وحيرة تملأ العقل، عقل عاجز عن استيعاب الحدث بين مصدق وغير مصدق لما جري وحالة ذهول واحباط واللاوعي فالكل في حالة غياب المنطق
اجزم ان البعض منا لم يستطع لساعات معرفة الطريق إلى اليمين او إلى اليسار، هذه الحالة أشبه ما يكون بالضياع ...
اهلنا المقيمين في المخيمات الاخري ومن كل محافظات لبنان توافدوا إلى بيروت وفي عيوننا البؤس والحزن واليأس هذا يبحث عن اخ او ابن او ابنة او قريب او صديق عزيز من أبناء مخيم تل الزعتر، كانت تعتريهم حالة فقدان الأمل من لقاء احد حيا، وحتى من وجد قريب او حبيب أو صديق كان عناقه الماَ والدموع الما والسلام الما كان الترحاب مجبولا بالأسى، فتحت لنا الابواب على مصراعيها ولكن الذهول كان سيد الموقف !!!!!
وصلنا إلى بيت اهل والدتي بمخيم عين الحلوة وبدوا باعداد لنا الحمامات لنستحم وبعض الملابس واعدوا وجبات الطعام بكل أنواعها لنا، والفراش والدثار ورحبوا بنا وسط الدموع واحيانا الصمت لعجزنا عن الكلام لحيرتنا عما يجري وعما جرى وكانت الاحاديث كلها بعد ان ارتاح الناس جسديا، عن الشهداء ومن غابوا ومن فقدوا، كم كانت مواساة الاقارب لنا وكم كانت بعض الجمل الانسانية تخفف عنا وطأة ما حصل ولكن ما اصعب وأقسى هذا اليوم حتى ان من عاشوا النكبة اجزموا ان مجزرة تل الزعتر فاقت وحشيتها عن ما قام به العدو الصهيوني وقد نسوا النكبة بعدما سمعوا عما جرى في مخيمنا الجريح من جرائم تجاوزت ما ارتكبتها النازية ....
نمنا ليلتنا الاولى بعيدا عن صوت القذائف وعن رائحة الدم وكانت ليلة كأننا جثث همدت بعد مشوار يوم عمره تجاوز السنين ...
وللجريمة بقية ......
ليلة سقوط تل الزعتر
( في عيون طفلة )
بقلمي/تغريد الحاج
الجزء الاخير ...
------------------------
في الصباح الباكر استقيظت وبدأت استوعب اننا بأمان فلا عطش ولا ماء مجبول بدماء الشهداء يحتاج ان ينقى ولا صوت لقذائف تهطل على المكان كالشتاء !!!!!!
وبدأت الح بالسؤال على والدتي اين ابي؟؟ ومتى سيعود ؟؟؟ وهل مازال على قيد الحياة ؟؟ وما المصير الذي حل به ؟؟؟ تارة امي تجيبني بانه عائد قريبا وتارة أخرى دموعها تنهال وتعجز عن الرد حيث لا جواب، وتارة تصرخ بوجهي طلبا للسكوت بسبب الحاحي ...
وفي اليوم التالي ليوم السقوط قرب المغيب كنت العب أمام البيت مع اختي ولاح لي من بعيد خيال رجل قادم باتجاهنا كان وجهه يكسوه التعب كثيف اللحية، ويده مصابة وملعقة برقبته، بدأ يقترب أكثر فأكثر أحسست حينها بالرعب، بسبب اللحية لانها كانت علامة مميزة لوجوه المجرمين الانعزاليين، وإذ به ينادينا باسمائنا لم نعرف هذه الهيئة من قبل وحين دققت بملامحه، عرفته واخذت اركض باتجاهه واقتربت منه اكثر فتأكدت انه والدي الذي لم أراه منذ أشهر طويلة جدا ضمنا إليه وصرنا ننادي بصوت عالي لوالدتي( ابوي عايش ورجع ) وكانت فرحة كبيرة ولكنها ناقصة اذ لم يبت ليلتها معنا رجع الى مستشفى الهلال لإكمال علاجه ولأنه سيخضع لعملية بيده صباح الغد ....
ذهب وسط دموع وبكاء ولم نكن قد شبعنا منه ...
وفي الصباح الباكر استيقظت والدتي كي تذهب لوالدي بالمستشفى وطلبت منها ان ارافقها وبعد الحاح شديد مني قبلت وذهبنا وصلنا ودخلنا لغرفة، رايت والدي يتالم ويصرخ من الوجع وكان ذلك بعد خروجه من العملية الثالثة ليده المعرضه للبتر، وكان لا يزال تحت تأثير البنج، بكيت يومها بحرقة لا أنساها وقامت والدتي باخراجي من الغرفة، وقفت أمام باب الطوارئ وصريخ والدي يصل حيث انا واقفة وإذ ب احد المصابين يدخلونه الى الطوارئ على حماله الإسعاف، ووضعوه أرضا استعدادا لإسعافه، اقتربت منه وكانت المفاجأة، المصاب انعزالي !!!! وعلى راسة الشارة السوداء التى كانوا يرتدونها قاتلينا بالأمس أمامي مصاب بساقه !!! وهو وامثاله السبب في صراخ والدي وتألمه !!! اصبت في حالة ذهول وانا انظر إليه وارتجف لا اعلم اهو الخوف، ام الغضب، حقيقة مشاعر غريبة اصابتني لم اكن اعي حينها معناها وانا اسمع من حوله يسألونه اين اصبت وكيف أصبت والى اي حزب تنتمي ؟؟؟
فما كان مني الا ان ركضت باتجاهه وهو لازال ملقى أرضا وبدأت اركله بكل قوتي بمكان اصابته، واركل واقول كلمات لا أتذكر منها الا
" انت قاتل والدي " واركله واسبه، ووالدتي تحاول ابعادي ولكن دون جدوى احسست بقوة غريبة تعتريني وقام احد الممرضين وطبيب من الطاقم الطبي محاولين ابعادي عنه، وانا احاول منعهم ....
في هذا الأثناء جاء طبيب واخبر والدتي بان والدي افاق من البنج وانه اكتفى ببتر اصبعه منعا من الغريرينا وانه سيتماثل للشفاء ....
وبدأت رحلة جديدة من العذاب من عين الحلوة الى الدامور مكثنا فيه ايام وبعدها كانت وجهتنا الاخيرة الى فندق الميرادور بخلدة الذي اعد لايواء جزء من أهل تل الزعتر ..
يوم 12 اب 1976 يوما لم يكن كباقي الأيام على مخيمنا الشهيد تل الزعتر، كان جهنم جاثمة حيث توجهنا والوصف يصعب " عذرا" ....
ذاكرة لم ولن تمحيها الأيام من وجداني، رحلة الموت يوم سقوط
مجزرة استمرت من صبيحة يوم 12/8/76، إلى أن تم إخلاء ساحة الدكوانة من أبناء المخيم، وسقوط ما يقارب 1500شهيد قتلوا بدم بارد، وسقط المخيم رغم إرادة أبناءه، كان سقوط المخيم أشبه بسقوط الحلم الذي راود أبناءه بالعودة والتحرير، ملحمة لم يخط التاريخ مثلها وكتب اسمها بدماء الشهداء انها ليلة السقوط الاخير ليلة غاب عنها كل شيء الا الدم والحزن والدموع ....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق